الفصل الثامن

مبادرات السلام

 

        لأن إدارة بوش قد وضعت العراق في خانة الأعداء قبل غزو الكويت بشهور عديدة, أصبح خيار الحرب مفضلاً لديها عن الحلول السلمية لحل الأزمة. لهذا السبب, فإنها استمرت في رفض جميع المبادرات السلمية التي عرضها العراق أو أتى بها الوسطاء الآخرون. وكان العذر الذي استخدم في كل مرة لرفض تلك المبادرات ما أصبح معروفاً فيما بعد "بالربط."

        يبدأ هذا الفصل بالبحث في ذلك العذر. ويلي ذلك عرض لأهم المبادرات السلمية التي رفضت نتيجة لعذر الربط المفتعل, بما في ذلك اجتماع جنيف الشهير. كذلك فإن هذا الفصل يلقي بعض الضوء على محاولات الديمقراطيين في الكونغرس لتجنب الحرب, عن طريق محاولة إقناع إدارة بوش باستعمال العقوبات الاقتصادية بدلاً عن الحرب. ونتيجة لتلك المحاولات, أصبح زعماء الديمقراطيين, من أمثال عضو مجلس الشيوخ سام نن, عرضة للسخرية نظراً لسلوكهم "السلمي," فتساووا في ذلك مع "المستعربين" من موظفي وزارة الخارجية السوفيتية, الذين كان يزدريهم ويتهجم عليهم أعوان إسرائيل في الإدارة الأميركية. ومع أن هذا الفصل يستند إلى مصادر عديدة, إلاّ إنه يركز على ثلاثة منها, وهي مذكرات الرئيس بوش ومستشاره لشئون الأمن القومي برنت سكوكروفت,[1]  ومذكرات وزير الخارجية جيمس بيكر,[2] وجلسات الاستماع التي انعقدت في مجلس الشيوخ الأميركي برئاسة عضو المجلس سام نن لمناقشة السياسة الأميركية في منطقة الخليج العربي.[3] وباستعمال هذه المصادر الرئيسة الثلاثة لتحليل كيفية تصرف إدارة بوش أثناء الأزمة, فإنه يمكن تجنب أي خلاف على صحة ودقة الأحداث المعنية.

 

معضلة الربط

 

        وصل أول عرض عراقي للانسحاب من الكويت إلى إدارة بوش في 11 أغسطس/آب 1990, أي بعد أُسبوع من الغزو تقريبا. وقد عرض العراق الانسحاب من الكويت في مقابل الحصول على مدخل إلى الخليج العربي ومفاوضات على أسعار النفط.[4] وقد صُرف النظر عن المبادرة في الحال لأن الانسحاب كان "مشروطاً."

        وفي اليوم التالي, أي في 12 أغسطس/آب, أعلن الرئيس صدام حسين عرضاً آخر, رُفض في الحال أيضاً, لأنه تضمن "ربطاً." وفي هذه المرة, عرض العراق الانسحاب بدون شروط تعديل الحدود أو التفاوض على أسعار النفط, ولكن في مقابل الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة.[5] وقد رفضت إدارة بوش تلك المبادرة أيضاً لأنها كانت ستقود إلى ممارسة ضغط على إسرائيل لتنفذ قرارات الأمم المتحدة, أرقام 242 و 338 و 425, التي تدعو إلى انسحابها من الأراضي العربية التي احتلتها في الأعوام 1967 و 1978 و 1982.[6]

        لكن لماذا لم تستغل إدارة بوش تلك الفرصة التاريخية التي كانت يمكن أن تمكنها من تحقيق انسحاب عراقي سلمي من الكويت, والوصول إلى حل للصراع العربي~الإسرائيلي في نفس الوقت؟ في الحقيقة أن الجواب يكمن في نفوذ "المتخصصين" في الإدارة الأميركية, والذين هم ليسوا فقط من أعوان إسرائيل, وإنما من أنصار سياسات حزب الليكود العدوانية والتوسعية أيضاً.[7] ونظراً لأن هؤلاء قد استمروا في مناصبهم بعد الحرب, فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي العمالي يتسحاك رابين قد طلب من الرئيس كلنتُن ألاّ يطلعهم على مباحثات أسلو خوفاً من قيامهم بمحاولة وقفها أو إبطائها, وكان يقصد بذلك دينيس روس ومارتن انديك وأنتوني ليك.[8]

أما شمعون بيرس, فقد عبر عن ألمه لأن يتسحاك شامير قد رفض اتفاقه مع الملك حسين في عام 1987, في لندن, والذي كان يهدف إلى بدء عملية السلام. فقد اتفقا هناك على فتح مباحثات مباشرة بين إسرائيل ووفد أردني~فلسطيني مشترك, في إطار مؤتمر دولي للسلام.[9] وبعد ذلك بأشهر, أي في عام 1988, قام ثلاثة من أعوان إسرائيل (هم دينيس روس وريتشارد هاس ومارتن إنديك) بكتابة تقرير عما ينبغي أن تكون عليه السياسة الأميركية في الشرق الأوسط, وأصبح بالفعل مرجعاً لتلك السياسة منذ ذلك الحين. وقد أخذ التقرير برؤية شامير لكيفية معالجة الصراع العربي~الإسرائيلي. فأوصى الإدارة الأميركية (أياً كانت) بألاّ تسعى لتحقيق نتائج سريعة لعملية السلام. وبدلاً من ذلك, ينبغي أن تنخرط في "عملية إنضاج" تدريجية.[10] واتبعت الإدارات الأميركية المتعاقبة تلك السياسة بأمانة. فما دامت إسرائيل في موقع الطرف الأقوى في الصراع, تتذرع الولايات المتحدة بأن على الفرقاء الوصول إلى الحل بأنفسهم, وليس من شأنها فرض الحل عليهم. لكن, لو حدث تهديد للأمن الإسرائيلي, فإنها تتدخل بقوة ضد الجانب العربي. وهكذا, كان أعوان إسرائيل ضد فكرة المؤتمر الدولي, لأن شامير كان ضدها. وعندما وقع الغزو العراقي للكويت, وطرح العراق ربط انسحابه من الكويت بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة, طار صواب أعوان إسرائيل في إدارة بوش وصمموا على رفض جميع المبادرات السلمية لحل الأزمة لأنها كانت تتضمن نوعاً من ذلك الربط.

كذلك فإن أعوان إسرائيل في إدارة بوش قد رأوا في الحرب القادمة فرصة لتدمير قدرات ألد أعدائهم, أي العراق. لذلك لم يكن منطقياً بالنسبة لهم أن يقبلوا المبادرات السلمية العراقية, حتى وإن كانت تقتضي منهم الموافقة على مجرد وعد بالنظر في مسألة الاحتلال الإسرائيلي, بعد ذلك.

وهكذا, حذر أحدهم, وهوَ لاري إيغلبرغر (نائب وزير الخارجية) أثناء انعقاد الجلسة الثانية لمجلس الأمن القومي بعد الغزو, أي في 3 أغسطس/آب, أن السعودية ستكون هدف صدام المقبل, الأمر الذي سيمكنه مع مرور الزمن من التحكم بمنظمة أوبك وبأسعار النفط.[11] وأضاف بأنه لو كُتب لصدام النجاح في ذلك "فإنه سيستهدف إسرائيل بعد ذلك."[12] وتبنى مستشار بوش لشئون الأمن القومي, برنت سكوكروفت, مقولة إيغلبرغر قائلاً: "بالهجوم على صدام دبلوماسياً ثم عسكرياً, فإننا نكون قد هاجمنا أحد أعدائهم (أي أعداء الإسرائيليين) الأساسيين, وربما ألد أعدائهم."[13]

ولم يكن الرئيس بوش مختلفاً عن مستشاره سكوكروفت في اتباع الخطوط العريضة التي وضعها إيغلبرغر. فعبر عن قلقه إزاء حديث المسئولين السوفيت عن تسوية سلمية شاملة, ومؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط. وكان يشعر بأن مثل هذا المؤتمر سيتضمن محاولة حل مسألة الأراضي العربية المحتلة. ولم يكن باستطاعته أن يتصور إرغام إسرائيل على الالتزام بالقانون الدولي, مثلما كان يطلب من العراق أن يفعل, وبدون شروط. لذلك فإنه اعتبر مثل هذه الحلول "ربطاً لأزمة الخليج مع المواجهة العربية~الإسرائيلية," الأمر الذي كان عليه تجنبه بأي ثمن.[14]

          ولو أن إدارة بوش كانت تعبر عن المصالح الأميركية فقط, لما رأت حرجاً في تطبيق القانون الدولي على عدوان إسرائيل على الأمة العربية. لكنها كانت تعبر عن مصالح إسرائيل بالدرجة الأولى (شأنها في ذلك شأن باقي الإدارات الأميركية). ولو كانت تتبع معياراً واحدا إزاء القضيتين, لرحبت بالعرض العراقي بالانسحاب من الكويت في مقابل الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة. ولكن ليس من الضروري أن يكون كبار المسئولين الأميركيين مقتنعين بعدالة ما يفعلون. ألمهم أن ينفذوا السياسة التي يخططها أعوان إسرائيل. وأحياناً يبلغ بهم الإحباط مبلغاً كبيراً, فيجاهرون بالتعبير عن إحباطهم إزاء التعنت الإسرائيلي, لكنهم سرعان ما يعودون إلى "صوابهم", ويعتذرون عما بدا منهم من "خطأ", ويطلبون الصفح, ويغالون في الخنوع لإسرائيل وأعوانها, كما حدث مع بوش ووزير خارجيته بيكر.

        فقبل حوالي عام من الغزو العراقي للكويت, ألقى وزير الخارجية جيمس بيكر خطابا أمام المؤتمر السنوي للَّجنة الأميركية~الإسرائيلية للعمل السياسي (وهي أقوى المنظمات الصهيونية في أميركا, والمعروفة اختصاراً بإيباك), انتقد فيه السياسات التوسعية للحكومة الإسرائيلية.[15] وقال: "بالنسبة لإسرائيل, حان الوقت الآن لتضع جانباً مرة واحدة وإلى الأبد حلمها غير الواقعي في إقامة إسرائيل الكبرى."[16]

        وبالطبع فإن الدنيا قامت ولم تقعد, ولم يستطع لا بيكر ولا بوش الصمود في وجه الضغوط الصهيونية, وانتهى بهما الحال بعد ذلك إلى الرضوخ للسياسة الإسرائيلية وحماية الاحتلال الإسرائيلي, وتدمير القدرات العراقية الاستراتيجية خدمة لإسرائيل. فكيف ردت إسرائيل وأعوانها على ذلك الجزء من خطاب جيمس بيكر؟

        تمثل رد حكومة شامير بالاستمرار في بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة, خارقة بذلك القانون الدولي الذي يمنع قوى الاحتلال من تغيير الطبيعة السكانية للمناطق المحتلة. ولم يكن ذلك تحدياً للقانون الدولي وحسب, وإنما للسياسة الأميركية المعلنة (التي يتفق عليها الديمقراطيون والجمهوريون), التي تعارض السياسات التوسعية الإسرائيلية. فقد وصفت إدارة كارتر المستوطنات الإسرائيلية بأنها "غير شرعية." ووصفتها إدارتا ريغَن وبوش بأنها "عقبات أمام السلام."[17] وزاد بوش على ذلك بأن أعلن "بأن السياسة الخارجية للولايات المتحدة تقول بأننا لا نؤمن بأنه يجب أن يكون هناك مستوطنات جديدة في الضفة الغربية والقدس الشرقية."[18]

          وما كاد بوش ينطق بذلك, حتى انبرى له أعوان إسرائيل في الكونغرس يهاجمونه بشراسة غير معهودة على رئيس أميركي. كما أن الحكومة الإسرائيلية أصبحت أكثر تحدياً من ذي قبل. ففي 16 أكتوبر/تشرين أول 1989, رفض شامير خطة لبدء المفاوضات مع وفد فلسطيني منتخب. وقال إنه "لن يسعى لحل وسط مع الفلسطينيين, حتى لو كان ذلك يعني انهيار حكومته أو اندلاع صراع أكثر حدة مع الولايات المتحدة."[19]

          وخلال جلسة استماع عقدت في الكونغرس في 11 يونيو/حزيران 1990, ذكر أحد أشدّ مؤيدي إسرائيل, وهو ميل لافين (من ولاية كاليفورنيا), أن ملاحظات الرئيس بشأن المستوطنات والقدس قد أضرت بمسار السلام. عندها انفجر وزير الخارجية جيمس بيكر موجهاً حديثه للإسرائيليين وأعوانهم في أميركا, وقال: "عندما تصبحون جادين بشأن السلام, اتصلوا بنا هاتفياً. ورقم البيت الأبيض هو 1414-456-202-1."[20] على إثر ذلك, توقفت الاتصالات الرسمية بين الحكومة الأميركية والحكومة الإسرائيلية. لكن الحكومتين أبقيتا قناة اتصال غير رسمية بينهما كان يجلس على طرف منها دينيس روس ممثلاً لوزارة الخارجية الأميركية ومارتن إنديك ممثلاً للحكومة الإسرائيلية.[21] وكان ذلك مثال آخر على سيطرة أعوان إسرائيل على السياسة الخارجية الأميركية. وبقي الإثنان (روس وإنديك) يتمتعان بنفس النفوذ طيلة التسعينات, إلى أن استقال روس طواعية من عمله بوزارة الخارجية, وبقي إنديك سفيراً لأميركا في إسرائيل.[22]

        وقد دفع كل من بوش وبيكر ثمناً باهظاً نتيجة للموقف الشجاع الذي اتخذاه بمعارضة السياسات التوسعية الإسرائيلية علناً. فقد خسرا منصبيهما في عام 1992, على الرغم من الخدمات الخمس الكبيرة التي أدياها لإسرائيل. فأولاً, لقد بذلا جهدا كبيراً من أجل السماح لمئات الآلاف من اليهود الروس, والسوريين, والإثيوبيين بالهجرة إلى إسرائيل, ثم المساعدة في بناء مستوطنات لهم هناك. ثانياً, لقد نجحا في إلغاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379, الصادر في عام 1975, والقاضي باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال التمييز العنصري, على الرغم من أن الأسباب التي صدر من أجلها ذلك القرار لا تزال موجودة.[23]  ثالثاً, لقد ساعدا إسرائيل في إعادة علاقاتها الدبلوماسية مع أربع وأربعين دولة, خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. والحقيقة أنه أصبح على الزعماء الجدد لدول أوروبا الشرقية أن يقوموا بإظهار الولاء والطاعة لإسرائيل, إذا كانوا يأملون في رضى أميركا عليهم. وكان أول شيء فعله العديد منهم بعد تسلمهم الحكم قيامهم بزيارة إسرائيل. رابعاً, عندما أصرت إدارة بوش على خيار الحرب لحل الأزمة العراقية~الكويتية, كان هدفها تدمير القدرات العسكرية العراقية, ومن ثم خدمة الاستراتيجية الإسرائيلية التي كانت تسعى لتحقيق ذلك. أخيراً, قامت إدارة بوش بإحضار أقطار المواجهة العربية إلى طاولة المفاوضات المباشرة في مؤتمر مدريد, الأمر الذي كان يعارضه العرب باستمرار. فالمفاوضات المباشرة تعني اعترافاً عملياً بإسرائيل, دون شروط مسبقة, ودون أي تنازلات إسرائيلية, الأمر الذي كان يسعى إليه الإسرائيليون لأكثر من أربعين عاماً.[24]     

 

رفض المزيد من المبادرات

 

        وقد تم رفض المبادرة السلمية الثالثة أيضاً بحجة "الربط." وعرضت تلك المبادرة أثناء اجتماع بين بوش وغورباتشيف, عقد في 9 سبتمبر/أيلول 1990. فقد كان السوفيت يعرفون أنهم خسروا الحرب الباردة, وأنه لم يعد بإمكانهم مساندة دول العالم الثالث. لذلك, فإن كل ما كانوا يستطيعون فعله لم يتعد عرض مبادرات السلام, التي كانت ترفض واحدة تلو الأخرى. وخلال ذلك الاجتماع, وضع الرئيس السوفيتي, غورباتشيف, على مائدة المباحثات عرضاً لإنهاء الأزمة سلمياً. وطبقاً لتلك المبادرة, عرض العراق السماح للأجانب (الذين كان يسميهم الإعلام الغربي "المحتجزين") بمغادرة العراق, كما عرض الإنسحاب من الكويت, واستعادة الحكومة الكويتية. وفي المقابل, تعد الولايات المتحدة (مجرد وعد) بألاّ تهاجم العراق, وأن تنقص حجم قواتها في المنطقة, لتحل محلها قوة حفظ سلام عربية. ويلي ذلك اتفاق على مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط. لكن الرئيس بوش رفض تلك المبادرة أيضا بحجة الربط.[25]

          وعبر سكوكروفت عن ذلك الموقف الأميركي قائلاً: "بالنسبة لي, فإن حفظ ماء الوجه, أو الإنسحاب الجزئي, أو الوعد بعدم الهجوم, وأهم من ذلك كله الربط مع الشأن العربي~الإسرائيلي, سيغير الطريق الذي كنا نسير عليه بشكل جوهري." وهكذا, تمت مناقشة مبادرة غورباتشيف بشكل مقتضب, ثم رفضت من قبل الرئيس ومستشاريه برنت سكوكروفت, وجيمس بيكر, وجون سنونو, ودينيس روس, وريتشارد هاس, وكوندي رايس (التي اصبحت مستشارة لشئون القومي لبوش الأصغر).[26]

        ولعب دينيس روس دوراً رئيساً في إقناع وزير الخارجية بيكر, ومن خلاله الرئيس بوش, برفض مقولة "الربط." وجن جنونه عندما أحس ذات مرة أن بيكر كان على وشك أن يناقشها. وكان "ملتهباً" إلى أقصى درجة ممكنة, فخاطب بيكر قائلاً: "لا يمكنك أن تفعل ذلك. ولو فعلت, فإنك ستدمر كل ما نحاول أن نفعله. فسيبدو صدام وكأنه أنجز للفلسطينيين ما عجز المعتدلون العرب عن إنجازه. ولو سلَّمنا بمقولة الربط, فإنه سيعلن أنه قد انتصر." كان ذلك كافياً لإقناع بيكر, الذي قام بدوره بإقناع بوش, مستخدما نفس النغمة الغاضبة التي سمعها من دينيس روس.

فعندما طلب بيكر من بوش ألاّ يهتم بفكرة المؤتمر الدولي, أجابه قائلاً: "حسناً, لا بد لي أن أهتم بها, فقد وضعت كل هؤلاء الجنود من أولادنا هناك. لم يفعل ذلك أحد من قبلي, لكني فعلتها. لذلك, ينبغي عليًّ أن أبحث في كل خطوة, حتى أتأكد من أنني لا أعرِّض حياتهم للخطر بدون مبرر. ولو تمكنت من إخراجهم من هناك بدون قتال, فسأفعل." وكانت تلك اللحظة فرصة ذهبية كان ينتظرها العربي~الأميركي جون سنونو, ليكسر الصمت ويحاول تجنب إراقة الدم العربي. فقال: "ربما يمكننا أن نضع إشارة إلى مؤتمر دولي هناك (في ردنا على المبادرة)." ولكنه ما كاد يفعل حتى انبرى له جيمس بيكر ليخرسه في الحال قائلاً له: "أخرج منها" (يا جون). في تلك اللحظة, علم الرئيس أن وزير خارجيته كان ملتزماً بموقف العداء لمقولة الربط. ونتيجة لذلك, فإنه استسلم قائلاً: "أنظر يا جيمي, إذا كان باستطاعتك أن تصدر (مع السوفيت) بياناً مشتركاً بدونها (أي بدون الإشارة للمؤتمر الدولي), فلا بأس."[27]

وانفرد دينيس روس بنظيره السوفيتي, سيرغي تاراشينكو, لصياغة البيان الذي جاء موافقا للسياسة الأميركية (أي لموقف دينيس روس من مقولة الربط). فلم يشر البيان إلى أي "ربط," لكنه (في لفتة مجاملة لغورباتشيف) أشار إلى أنه من الضروري العمل بنشاط لحل الصراعات الباقية في الشرق الأوسط والخليج. وقد عبر بوش عن سعادته لأن البيان "قد تجنب محاولة أخرى لربط الأزمة بإسرائيل."[28] 

        وهكذا, فإن إدارة بوش قد رفضت هذه المبادرة السوفيتية, التي كان يمكن أن تؤدي إلى حل الصراع بطريقة سلمية. وقد فضلت إدارة بوش خوض حرب يتم خلالها تدمير مقدرات العراق على أن تعد بمعالجة الإحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية. واستمر ذلك الموقف حتى بعد أن اتضحت إمكانية حدوث خسائر في الأرواح, قدرت بالآلاف في حالة استخدام العراق للأسلحة الكيميائية والجرثومية.[29] وقد تجلى ذلك في استعداد إدارة بوش للتضحية بأرواح آلاف الجنود الأميركيين من أجل مساعدة إسرائيل في الاستمرار باحتلالها للأراضي العربية. ولما أصبحت تلك هي سياسة إدارة بوش, أصبح الرفض (بدم بارد) هو ردها على مبادرات السلام التي كانت تعرض عليها بعد ذلك.

        وهكذا, رفضت مبادرة سوفيتية أخرى بحجة "الربط" أيضاً. ففي الرابع والخامس من أكتوبر/تشرين أول 1990, تمخضت زيارة بريماكوف إلى بغداد عن مبادرة عراقية جديدة لحل الأزمة. فقد عرض العراق الانسحاب من الكويت في مقابل الحصول على مدخل أرضي للخليج العربي ووعد بمعالجة مشكلة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية. وبعد ذلك بيومين, أي في 7 أكتوبر/تشرين أول, أصدر الرئيس بوش تعليماته إلى وزير الخارجية بيكر ليعلن رفض الإدارة للمبادرة.[30]

        وأصبح الرفض التلقائي لمبادرات السلام بحجة "الربط" السمة المميزة لإدارة بوش والتي دمغتها بوصمة استعمال معايير مختلفة في تعاملها مع نفس المشكلات, في علاقاتها الدولية. وقد جعلت تلك السمة من الولايات المتحدة حامية للعدوان والاحتلال الإسرائيليين. وعندما اضطرتها الظروف لتغير قليلاً من تلك الصورة التي ارتضتها لنفسها, انعكس ذلك سلبياً على الرئيس بوش. ففي 8 أكتوبر/تشرين أول 1990, قامت القوات الإسرائيلية بإطلاق النار على المصلين في باحة المسجد الأقصى المبارك.[31] فاستشهد 21 وجرح حوالي 150 منهم. ولم يجد بوش بداً من الموافقة على قرار لمجلس الأمن الدولي يدين إسرائيل على الإفراط في استخدام القوة, ويدعو إلى تشكيل لجنة تحقيق تبحث في كيفية حماية الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. وردت حكومة شامير على ذلك برفض التعاون مع اللجنة. أما في الولايات المتحدة, فإن مؤيدي حكومة شامير من بين اليهود الأميركيين قد عبروا عن دهشتهم وغضبهم من موقف إدارة بوش التي سمحت بإصدار ذلك القرار. وقد أدى ذلك الموقف, بالإضافة إلى رفض بوش منح شامير ضمانات القروض التي طلبها لبناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية (فيما بعد), إلى معارضتهم الفاعلة لإعادة انتخابه في عام 1992.[32]

        وتبع ذلك عدة مبادرات سلام أخرى, كلها حاولت إقناع إدارة بوش السماح للعراق بالانسحاب من الكويت بدون عقوبات,أو حتى في مقابل وعود بالنظر في مشكلة الاحتلال الإسرائيلي فيما بعد, ولكن بدون جدوى. فخلال الاجتماع الذي عقد بين بوش وغورباتشيف في 19 نوفمبر/تشرين ثاني, أحضر الرئيس السوفيتي مبادرة سلام أخرى من بريماكوف. وقال إن العراق يوافق على الانسحاب من الكويت في مقابل الحصول على مدخل أرضي إلى الخليج العربي. وعلى الرغم من أن هذه المبادرة لم تتضمن أي "ربط" (مع مشكلة الاحتلال الإسرائيلي) هذه المرة, إلاّ أن إدارة بوش قد رفضتها أيضاً لأن الانسحاب "كان مربوطا بشرط."[33]

        وفي 29 نوفمبر/تشرين ثاني, ومباشرة بعد صدور قرار مجلس الأمن الذي أجاز استعمال القوة ضد العراق, اجتمع وزراء خارجية الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن للاحتفال بالمناسبة. وخلال ذلك الاجتماع, طرح وزير الخارجية السوفيتي (إدوارد شيفرنادزه) مبادرة سلمية جديدة. فاقترح إعطاء العراق تأكيدات بأنه لن يتعرض للهجوم أثناء الانسحاب. وأيده في ذلك وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا والصين, على الفور. وفوق ذلك, فإنهم أبدوا استعدادهم لإرسال تأكيدات بهذا المعنى للعراق جماعياً وفردياً. ومع ذلك, أصر وزير الخارجية الأميركي بيكر وكذلك الرئيس بوش على رفض هذه المبادرة أيضاً, كما فعلا بسابقاتها. وصمم كلاهما على عدم السماح بإصدار مثل تلك التأكيدات و الضمانات.[34]

        وبالإضافة إلى ذلك, عبر الرئيس بوش ومساعدوه عن غضبهم على "المستعربين" السوفيت,[35] لموقفهم المضاد لاستعمال القوة ضد العراق. والحقيقة أن أولئك "المستعربين" كانوا يشكلون واحدة من مجموعتين متنافستين من بين موظفي وزارة الخارجية السوفيتية. فبينما كان شيفرنادزه يقود المجموعة الموالية للغرب, كان بريماكوف يقود "المستعربين" (المتعاطفين مع العرب من المتخصصين في الثقافة العربية)[36] في محاولة منه للحفاظ على بعض المواقف السوفيتية المستقلة. ومن العجيب أن الرئيس بوش ومستشاريه كانوا ينتقدون محاولة إيجاد توازن في السياسة الخارجية السوفيتية في تلك الفترة, بينما عجزوا عن إدراك التحيز الصارخ وعدم التوازن في السياسة الخارجية الأميركية. والحقيقة أن المجموعة التي كانت تصنع وتشرف على تنفيذ السياسة الخارجية الأميركية هي الأجدر بالنقد لعدم التوازن في تركيبتها, الأمر الذي يخل بمبدأ التوازن والمراقبة المتبادلة الذي نادى به مؤسسو الولايات المتحدة. وكان الأجدر ببوش وبيكر موازنة أعوان إسرائيل في الإدارة الأميركية بمجموعة من العرب الأميركيين والمتعاطفين مع العرب من المستعربين.

        واستمرت المبادرات السلمية, بدون جدوى. ففي 4 ديسمبر/كانون أول 1990, سمح العراق للأجانب (بما في ذلك الأميركيون) بمغادرة البلاد إذا رغبوا في ذلك, فانتهت مشكلتهم. وعلى إثر ذلك, طالب العراق بحوار حول إنهاء الاحتلال الإسرائيلي, لكن الإدارة الأميركية ردت بالرفض أيضاً.[37]

        وفي 5 يناير/كانون ثاني, 1991, وصل الأمين العام للأمم المتحدة (خافيير بيريز ديكويار) إلى كامب ديفد ليطلب من الرئيس بوش السماح له بالوساطة. وبدلاً من أن يسمح له بذلك, حاول بوش أن يثنيه عن عزمه. فقد كان يعتقد بأن ذلك سيعطي "لصدام أملاً بأنه سيجد مخرجاً," بينما لم يكن بوش يريد له ذلك.[38]   

          وقد وصلت آخر المبادرات السلمية لإدارة بوش قبل أيام قليلة من بداية الحرب, ورُفضت هي أيضاً. ففي  14 يناير/كانون ثاني 1991, عبر وزير الخارجية الفرنسي (رولان دوما) عن رغبة حكومته لبذل محاولة أخيرة لإقناع العراق بالانسحاب. فعرض دوما أن يوافق مجلس الأمن على مؤتمر بشأن الشرق الأوسط, إذا ما انسحب العراق من الكويت. لكن الرئيس بوش, وللمرة الأخيرة, رفض العرض لأنه "يربط" بين المسألتين.[39] 

 

اجتماع جنيف

 

        أظهر رفض إدارة بوش المستمر لجميع المبادرات السلمية, بوضوح لا لبس فيه, أن الحرب كانت هدفاً بحد ذاتها. وكانت المحاولة الوحيدة للاتصال بالعراق, وليس مفاوضته, من خلال الاجتماع الذي عقد في جنيف بين وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر ووزير الخارجية العراقي طارق عزيز. وقد دام الاجتماع ست ساعات, وتم خلاله تسليم إنذار أميركي للعراق بالانسحاب بدون شروط أو مواجهة التدمير. وتضمن الإنذار تهديداً للعراق بعدم استخدام الأسلحة غير التقليدية, وإلا تعرض لانتقام بحجم أكبر (وكان ذلك تلويحاً باستخدام القنابل الذرية). وباختصار, كان الهدف الأميركي من الاجتماع بالدرجة الأولى توضيح قواعد اللعبة. ولم يكن مقصوداً به محاولة إنهاء الأزمة سلمياً.

          وقد خطرت فكرة ذلك الاجتماع للرئيس بوش في مساء يوم 29 نوفمبر/تشرين ثاني 1990, بعد أن صوت مجلس الأمن الدولي لصالح السماح باستخدام القوة. في البداية, كان يريد أن يحضر طارق عزيز إلى واشنطن ويذهب جيمس بيكر إلى بغداد. لكن سكوكروفت لم يكن متحمساً للفكرة لأنها أحيت احتمال المفاوضات التي يمكن أن تؤدي إلى حل سلمي للأزمة, الأمر الذي لم يكن يفضله. ومع ذلك, وفي 30 نوفمبر/تشرين ثاني, أعلن الرئيس بوش عن دعوة طارق عزيز لمقابلته في واشنطن, في الجزء الثاني من الأسبوع الذي يبدأ في 10 ديسمبر/كانون أول. كما طلب من الرئيس صدام حسين أن يستقبل جيمس بيكر في وقت مناسب للطرفين بين 15 ديسمبر/كانون أول و 15 يناير/كانون ثاني.[40]

          والحقيقة أن تلك كانت هي المرة الرابعة التي كان الرئيس بوش مستعداً فيها للنظر في حل سلمي للصراع. وكانت الأولى ممثلة في رغبته في الحفاظ على علاقات ودية مع العراق, قبل الغزو بأشهر. وكانت الثانية في اليوم الثاني الذي تلا الغزو, قبل لقائه مع مارغريت تاتشر. وكانت الثالثة في 9 سبتمبر/أيلول 1990, عندما كان راغباً في القبول بالمبادرة السوفيتية. وكانت هذه هي المرة الرابعة, أي في 30 نوفمبر/تشرين ثاني 1990, عندما عرض ذهاب بيكر إلى بغداد وقدوم عزيز إلى واشنطن. لكنه في المرات الأربعة جميعاً كان محاصراً بصقور الحرب, الذين كانوا يثنونه عن التفكير في الحلول السلمية. وكان جون سنونو هو الاستثناء الوحيد من بين جميع المحيطين به. وكانوا يسيطرون عليه في كل مرة, فيجنح للحرب في النهاية مثلهم.

        وهكذا, غير الرئيس بوش رأيه في 14 ديسمبر/كانون أول, بشأن تاريخ الاجتماعين. فأعلن أنه قد طلب من وزير الخارجية بيكر أن يكون مستعداً للذهاب إلى بغداد في أي وقت حتى يوم 3 يناير/كانون ثاني 1991, بدلاً من التاريخ المعلن سابقاً (أي 15 يناير/كانون ثاني). ورداً على ذلك التغيير, ألغى الرئيس صدام حسين رحلة عزيز إلى واشنطن, في اليوم التالي.[41]

          وفي الأول من يناير/كانون ثاني 1991, شعر الرئيس بوش بالحاجة إلى اجتماع بين بيكر وعزيز في سويسرا. فقد أراد أن يحمل بيكر إلى الاجتماع إنذاراً يتضمن لاءات أربع. "لا للمفاوضات, ولا للحلول الوسط, ولا لمحاولات حفظ ماء الوجه, ولا لمكافأة العدوان." وقد صمم الاجتماع بالفعل لتوصيل ذلك الإنذار ولاءاته الأربعة. وفي 3 يناير, عرض الرئيس بوش إرسال بيكر ليتقابل مع عزيز في جنيف في السابع أو الثامن أو التاسع من يناير. فقبل العراق ذلك العرض واختار التاريخ الأخير. وقد اعترف بوش فيما بعد (في مذكراته المنشورة) أن مجرد اقتراح الاجتماع كان ينطوي على مجازفة. فكان يمكن للعراق أن يستغل المناسبة, فيعلن "خطة تشتمل على عدد كبير من الشروط, وربما تشمل حتى سحب بعض القوات والتباطؤ في سحب بقيتها بينما يعرب عن رغبته في الحديث عن الحل."[42]   

          أما سكوكروفت, فكان ضد اجتماع جنيف منذ البداية. فقد كان خائفاً من احتمال حدوث انسحاب عراقي بدون حرب. وكان يؤمن بأن أي انسحاب عراقي بهذا الشكل سيترك الولايات المتحدة في موقف غاية في الصعوبة. فكان يمكن للقوات العراقية أن تنسحب إلى شمال الحدود بمسافة قصيرة وتبقى هناك, مستعدة للهجوم في أي وقت. أما القوات الأميركية, فلا يمكنها أن تبقى في المكان لمدة طويلة. وهكذا, فإنه خلص إلى الاستنتاج بأن العراق سيربح في هذه الحالة.[43]

        وفي 9 يناير/كانون ثاني, تقابل بيكر أخيراً مع عزيز في جنيف, وسلمه الرسالة التي تضمنت الأنذار. وكانت الرسالة في مظروف مختوم, لكنه أعطى طارق عزيز صورة منها. وعندما قرأها وزير الخارجية العراقي, رفض تسلم المظروف قائلاً بأن الرسالة لم تتضمن إلاّ "تهديدات." والحقيقة أنها كانت تهدد:

"بأن الولايات المتحدة سوف لا تحتمل استخدام (العراق) للأسلحة الكيميائية والجرثومية, أو تدمير حقول ومنشآت النفط الكويتية. (وإذا ما حدث ذلك,) فإن الشعب الأميركي سيطالب بأقوى رد ممكن. كذلك, فإنكم (كان الخطاب موجهاً للرئيس صدام حسين) سوف تعتبرون مسئولين عن الأعمال الإرهابية ضد أي (دولة) من أعضاء التحالف. أنتم, وحزب البعث, وبلادكم سوف تدفعون ثمناً باهظاً, إذا ما أصدرتم أوامر بأعمال من هذا النوع."[44]

          كذلك هددت الرسالة بأنه لن يكون هناك توقف في القتال, أو وقف لإطلاق النار, أو فترة التقاط أنفاس للمفاوضات. وأهم من ذلك أن بيكر قد ترك, عن عمد, انطباعاً بأن استعمال العراق للأسلحة الكيميائية أو الجرثومية يمكن أن يؤدي إلى رد انتقامي أميركي باستعمال الأسلحة الذرية التكتيكية. وفي رده, أشار عزيز إلى ازدواج المعايير في السياسة الخارجية الأميركية, الذي أدى إلى ألاّ ترى الولايات المتحدة عيباً في امتلاك إسرائيل للأسلحة الكيميائية والجرثومية والذرية, وفي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية. وانتهى الاجتماع بالفشل, كما خطط له. وبعد الاجتماع, قرأ بيكر على الإعلاميين البيان الذي كان قد كتبه قبل ذلك بيوم. وبذلك فإنه قد دلل وللمرة الأخيرة على فشله كدبلوماسي, كان المفروض فيه أن يناضل من أجل حل سلمي للصراع. وهكذا, تم إعداد المسرح تماماً للحرب.[45]

 

الديمقراطيون يحاولون تجنب الحرب

 

        على الرغم من أن اجتماع جنيف بين بيكر وعزيز كان مخططاً له أن يفشل, إلاّ أنه استُعمل ليظهر للكونغرس, الذي كان يسيطر عليه الديمقراطيون, أن الإدارة قد بذلت جهداً ما من أجل السلام.[46] وكان الهدف من ذلك التأثير على أعضاء الكونغرس للحصول على تأييدهم لقرار يسمح باستخدام القوة, على غرار قرار مجلس الأمن الدولي. مثل ذلك القرار كان ضرورياً, لأنه ومنذ بداية الأزمة, كان غالبية الديمقراطيين ومعهم عدد قليل من الجمهوريين في الكونغرس يعارضون خيار الحرب الذي تبنته إدارة بوش كحل للأزمة. وكانت وجهة نظرهم تتلخص في أن الانسحاب العراقي يمكن أن يتحقق باستخدام العقوبات الاقتصادية, بدلاً من استخدام القوة. وقد بذلوا جهوداً حثيثة لإقناع الرئيس بأن يعطي العقوبات ومبادرات السلام فرصة. وحتى عندما فشلوا في ذلك, فإنهم لم يتراجعوا عن موقفهم, وصوتوا ضد استخدام القوة.

        وفي 30 أكتوبر/تشرين أول, 1990, حضر كل من توم فولي (رئيس مجلس النواب) وجورج مِتشل (زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ) إلى البيت الأبيض لمقابلة الرئيس بوش. وقد سلمه فولي رسالة موقعة من إحدى وثمانين عضواً ديمقراطياً, تحثه للسعي لاستخدام وسائل سلمية لحل الصراع, وبإعطاء العقوبات فرصة لتحقق الهدف.[47] وذكره مِتشل بأن ثلاثة أشهر فقط قد مضت على حدوث الغزو, وشهرين على فرض العقوبات. وأضاف بأن أحداً لا يتوقع لها أن تحقق الغرض المرجو منها خلال إسبوع, وأنه لا يمكن لأحد بأن يجزم بأن العقوبات قد فشلت. وتوسل فولي, بدوره, للرئيس بوش بألاّ يزج بالبلاد في الحرب إلاّ إذا حدث استفزاز عراقي كبير.[48]

          وفي 12 نوفمبر/تشرين ثاني 1990, دعا عضو مجلس الشيوخ باتريك موينيهان إدارة بوش بأن تسعى للحصول على موافقة الأمم المتحدة والكونغرس على خيار الحرب الذي تبنته. فلم يكن يشعر بأن القادة الكويتيين يستحقون استعادة حكمهم. وذكر بأن وجود الكويت نفسه كان صدفة تاريخية, وأن حدودها قد رسمت من قبل موظفي القوى الاستعمارية.[49] أما بوب بيرد, وهو عضو آخر في مجلس الشيوخ, فقد أخبر الرئيس بوش في رسالة بعثها له, في  منتصف ديسمبر/كانون ثاني 1990, بأن إدارته لم تُقِم الدليل على ضرورة استخدام القوة. وعبر عن اعتقاده بأن العقوبات يمكنها أن تحقق الغرض. وأشار أيضاً بأنه لو تسببت الحرب "بخسائر عالية في الأرواح في الجانب العربي, فإننا سنخسر حتى لو كنا منتصرين."[50] وبالطبع فإن بيرد كان يتحدث عن أخلاقيات الحرب. فقد كان يعلم أن الحرب كانت على النفط, وعلى الفوز بأي ثمن. وما دام الأمر كذلك, فليس من المنطقي أن تزهق مئات الآلاف من أرواح العراقيين لاستعادة عائلة آل صباح إلى حكم الكويت في أشهر قليلة.

          أخيراً, قام الرئيس كارتر (وهو ديمقراطي أيضاً) بكتابة رسالة إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي يطلب فيها منهم عدم تأييد القرار الذي يجيز استخدام القوة. وكان رأيه أن الخسائر الكبيرة المتوقعة في الأرواح, والنتائج الاقتصادية السيئة, وعدم الاستقرار الدائم في الشرق الأوسط تشكل ثمناً باهظاً وغير ضروري للحرب. كما طالب الأمم المتحدة بأن تقوم بمفاوضات "حسنة النية" مع القيادة العراقية, بهدف التعرف على ما يقلقها, كما طالب بأن يتاح للعرب أنفسهم فرصة ليحاولوا الوصول إلى حل سلمي.[51]

        وفي 6 يناير/كانون ثاني 1991, كتب الرئيس بوش رسالة إلى الكونغرس طالباً من أعضائه أن يؤيدوا قرارات الأمم المتحدة, وخاصة قرار استخدام جميع الوسائل الضرورية (بما في ذلك استعمال القوة) لإخراج القوات العراقية من الكويت.[52] وقد بذلت إدارته أقصى ما لديها من جهد ووقت وطاقة من أجل ضمان الحصول على أغلبية عند التصويت على القرار. ولتحقيق ذلك, بذلت الإدارة جهوداً حثيثة مع جميع أعضاء الكونغرس تقريباً بهدف إقناعهم والتأكد من تأييدهم لها. وبالإضافة إلى ذلك, كان هناك العديد من أعضاء مجلس النواب الديمقراطيين البارزين, الذين أعلنوا عن مساندتهم لقرار استخدام القوة على خلفية كونهم من أعوان إسرائيل. وكان من أهم هؤلاء أسبن, ومورثا, وسولارز, وتورشيلي. ومع ذلك، فإن الأصوات كانت متقاربة جداً في مجلس الشيوخ، وكانت النتيجة مشكوكاً فيها إلى أن أصبح واضحاً أن عشرة من الديمقراطيين قد خرجوا على خط حزبهم وأيدوا القرار. وهؤلاء هم برو، وبرايان، وغور، وغراهام، وهفلين، وجونسون، وليبرمان، وريد، روب، وشلبي.[53]

        وقد ترتب على ذلك أن أصدر مجلس النواب القرار الذي تبناه كل من ميشل وسولارز. وكانت النتيجة 250 صوتاً مؤيداً مقابل 183 صوتاً معارضاً. كما وافق مجلس الشيوخ على مشروع القرار الذي تبناه كل من دول و وارنر. وكانت النتيجة 52 صوتاً مؤيداً مقابل 47 صوتاً معارضاً، مع تغيب عضو واحد عن التصويت. وهكذا, قدم القراران الدعم الذي كانت تتطلع إليه إدارة بوش في سعيها لاستعمال القوة ضد العراق.[54]

        وقد صوت ضد القرار غالبية الديمقراطيين من أعضاء مجلس الشيوخ, بالإضافة إلى اثنين من الجمهوريين,  هما هاتفيلد و غراسلي. وقد عبر هؤلاء عن موقفهم من القرار بوضوح. فقال سام نن: "لا أعتقد أن من الحكمة اختيار الحرب في هذا الوقت, وأعتقد أن هناك بدائل لها." وعبر جورج مِتشل عن رأيه المعارض للحرب قائلاً: "لو ذهبنا إلى الحرب الآن, فإننا لن نعرف فيما إذا كان بمقدور العقوبات أن تحقق الهدف, إذا ما أعطيت فرصة كاملة وعادلة." وكان عضو مجلس الشيوخ تيد كينيدي أكثر وضوحاً في التعبير عن رأيه, فقال: "لا زال هناك متسع من الوقت لإنقاذ الرئيس من نفسه ... وإنقاذ الآلاف من الجنود الأميركيين في الخليج من الموت في الصحراء, في حرب لا يفوق قسوتها إلاّ عدم وجود أي ضرورة عقلانية لشنها."[55] وكان سام نن هو أكثر أعضاء الكونغرس صراحة في معارضة استخدام القوة.   

 

سام نن[56]

 

          تكمن أهمية موقف سام نن في حقيقة أنه كان يشغل منصب رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ لمدة طويلة (إذ امتد ذلك لدورات الكونغرس 100-103). وهذا يعني أنه لا يمكن اتهامه بأنه معادٍ لسياسات الدفاع الأميركية. كما أنه كان واحداً من أكثر خبراء الكونغرس معرفة بسياسات الدفاع الأميركية. وقادته معرفته وخبرته إلى أن أصبح أكثر اهتماماً برؤية أميركا وهي تستخدم قدراتها كقوة عظمى ذات مسئوليات دولية, وليس لتستخدمها للتدخل في الصراعات الإقليمية الصغيرة. وكان هذا أساس اعتراضه على التدخل الأميركي في الأزمة العراقية~الكويتية. لكنه خسر الجولة للذين يرون استمرار مصالح التكتل الصناعي~ العسكري في التدخل بتلك الصراعات.

        وفي أوائل الثمانينات, دعا سام نن إدارة ريغَن لأن يكون لها استراتيجية واضحة ومختصرة للقوات المسلحة. ونادى بشكل خاص بأن تهدف مثل تلك الاستراتيجية إلى حماية المصالح الحيوية الأميركية, التي رآها تتلخص في تقوية حلف الأطلسي. وكان من رأيه أيضاً أن التحالفات الإقليمية في الشرق الأوسط وشرق آسيا لها أهميتها, ولكن بالعلاقة مع حلف الأطلسي. أي أن أهميتها تكبر بمقدار تقويتها له. وكان هدفه الرئيس البحث عن أفضل طريقة لتجنب الحرب الذرية مع الاتحاد السوفيتي. لذلك, فإنه كان يقترح امتلاك دفاع يستند إلى أسلحة تقليدية فاعلة, بدلا من التركيز على إقناع السوفيت (عن طريق سباق التسلح) بألاّ يكونوا البادئين باستعمال الأسلحة الذرية, وذلك ببساطة لأنه لن يكون هناك أي منتصر في حالة نشوب تلك الحرب. وعلى ذلك, كانت مهمته, كما وصفها, "أن يقلب السجل التاريخي" من الحرب إلى السلام.[57]

        ومع نهاية الثمانينات، أدرك سام نن أن استراتيجية "الاحتواء" التي كانت متبعة أثناء الحرب الباردة لم تعد هناك حاجة لها بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ومعه حلف وارسو، في عامي 1989 و 1990. لذلك، فإنه دعا لتبني استراتيجية جديدة لملء الفراغ، تقوم على استمرار منع حدوث الحرب النووية من خلال امتلاك أنظمة أسلحة تقليدية عالية الكفاءة. أما بشأن الصراعات الإقليمية، فقد غير موقفه منها بعد انتهاء الحرب الباردة بين الشرق والغرب. إذ أصبح يعتقد بأن تلك الصراعات ستحل محل الحرب الباردة في الأهمية (وهو في ذلك متسق مع مصالح التكتل الصناعي~العسكري). وعلى الأخص، أصبح يعتبر الوصول إلى الموارد النفطية في الخليج العربي مصلحة قومية أميركية, نظراً لأن أميركا تستورد 40 بالمائة مما تحتاجه من النفط من منطقة الخليج.[58]

          وعلى الرغم من عدم وجود أي تهديد ذري وشيك، إلاّ أن سام نن استمر ينادي بضرورة الحفاظ على حلف الأطلسي وإبقائه في أقوى حالة ممكنة، من أجل الحفاظ على استقرار القارة الأوروبية. وكان من المنطقي أن يؤدي غياب ذلك التهديد إلى تخفيض الإنفاق العسكري، حتى تتمكن الولايات المتحدة من الحفاظ على قدرتها الاقتصادية التنافسية في مواجهة ألمانيا واليابان.[59] لكن ذلك التخفيض لم يحدث بسبب استراتيجية المؤسسة العسكرية الأميركية القاضية بالاستعداد للدفاع عن أصدقاء أميركا وحلفائها في الشرق الأقصى، والشرق الأوسط، وأميركا اللاتينية. وحتى يمكن للاستراتيجية الجديدة تحقيق هذه الأهداف, اقترح سام نن أن تشتمل على خمسة عناصر أساسية. وهذه العناصر هي: منع اندلاع الحرب النووية, تخفيض حجم قوات الانتشار المبكر, استخدام أكبر لقوات الاحتياط, الاستعداد المرن, والإدارة الدفاعية الأكثر ذكاء.[60]

          وهكذا, فعندما حدثت أزمة الخليج, كان سام نن واضحاً في أنها لا تستدعي تدخلاً أميركيا. فطالب إدارة بوش أن تلجأ للمبادرات السلمية لحلها. و تلخص رأيه في أنه إذا ما فشلت المبادرات في حلها, فينبغي إعطاء العقوبات الاقتصادية الفرصة لتحقيق الهدف. ونتيجة موقفه ذاك غير الداعي للحرب, أصبح عرضة لتهجم صقور الحرب داخل وخارج إدارة بوش. وبالرغم من ذلك, واصل جهوده الرامية إلى تعريف الإدارة, والكونغرس, والشعب الأميركي بجذور ونتائج الأزمة العراقية~الكويتية.

        وبدأ عقد سلسلة من جلسات الاستماع المتلفزة في مجلس الشيوخ في 11 و 13 سبتمبر/أيلول, و27-30 نوفمبر/تشرين ثاني, و 3 ديسمبر/كانون أول 1990, حول السياسة الأميركية في منطقة الخليج العربي, مركزاً على طرح أسئلة عن استخدام العقوبات الاقتصادية لحل الأزمة. وتلخصت وجهة نظره في أنه يتوجب على الولايات المتحدة أن تطبق سياسة العقوبات, حتى لو تطلب ذلك الانتظار لمدة سنتين. وقد حظي موقفه بتأييد معظم الديمقراطيين. وخلال تلك الجلسات, أتاح الفرصة أمام سبعة عشر متحدثاً من كبار العسكريين المتقاعدين, وموظفي الحكومة, والخبراء. وكان ثلاثة عشر من أولئك الشهود مع استخدام العقوبات وضد استخدام القوة. وحتى أعلى قائدين عسكريين, باول وشوارزكوف, أيدا هذا الرأي. أما وزير الدفاع وثلاثة شهود آخرين, فقد أيدوا استخدام القوة لحل الأزمة.

        وكان الدكتور جيمس شليزنغر أول الشهود, فقال إنه من غير المنطقي أن نعبر عن عدم صبرنا على العقوبات, لأنها لا يمكن أن تأتي بالنتائج المرجوة منها خلال ستة أشهر. وأصر في شهادته على أنه لا يوجد ما يبرر استخدام القوة, حتى الادعاء القائل بأن العراق يمكنه إنتاج سلاح ذري واحد وغير مجرب خلال عشرة أعوام.[61]   

        وأورد سام نن دعوة الفريق شوارزكوف للتحلي بالصبر, وإعطاء العقوبات وقتاً كافياً لتحقق الهدف, لأن الحرب ستؤدي إلى هلاك عدد هائل من الناس.[62] ووافق الفريق البحري كرو على ذلك قائلاً أنه حتى احتمال حصول العراق على سلاح نووي لا يقدم مبرراً للهجوم عليه. وكان رأيه أن تعطى العقوبات فترة 18 شهراً لتكون فعالة. فإذا فشلت, عندها يمكن التفكير في استخدام القوة. وأردف قائلاً بأن الحرب لن تحل مشاكل الشرق الأوسط. وعبر الفريق جونز عن رأيه في أنه بالإمكان المحافظة على تواجد القوات الأميركية في الخليج لسنين عديدة من خلال تناوب أفرادها, وبذلك تعطى العقوبات الوقت الكافي لتحقق الهدف المرجو منها. وأضاف بأن أعضاء التحالف (باستثناء أميركا وبريطانيا) يفضلون الإجراءات الاقتصادية والدبلوماسية على العمل العسكري الهجومي, خاصة فيما يتعلق بمهاجمة العراق نفسه.[63]

        وانتقد جيمس ويب الرئيس بوش لعدم قدرته على معالجة الأزمة بشكل صحيح. فذكر أنه لو قام الرئيس بإرسال قوة صغيرة إلى السعودية ثم تفاوض على الانسحاب المتبادل, لانتهت الأزمة في أشهر قليلة. ودعا إلى تخفيض حجم القوات الأميركية في منطقة الخليج. كذلك, فإنه كان ضد استخدام القوة لأن الولايات المتحدة ليست لديها معاهدات مع "دول" الخليج, بالإضافة إلى أن تلك "الدول" غير ديمقراطية, وأن القوات الأميركية لم تتعرض للهجوم.[64] 

          وعبر إدوارد لَتواك عن معارضته القوية للعجلة في تبني خيار العمل العسكري. وبدلاً من ذلك, دعا إلى استخدام العقوبات. وانتقد الدفاع عن الأنظمة الخليجية غير الشرعية وغير الديمقراطية. كما انتقد مقولة اعتبار أمن إمدادات النفط من منطقة الخليج العربي مصلحة أميركية حيوية. ودعا إلى تخفيض القوات الأميركية في المنطقة, وليس إلى زيادتها كما فعل الرئيس بوش. واشتملت شهادة لَتواك على جزء هام تمثل في توقعاته عن نوع الاستراتيجية العسكرية التي ستتبع في حالة اللجوء إلى الحرب. فتوقع حملة جوية تسبق الحرب البرية. كما توقع قيام القوات الأميركية بفصل القوات العراقية في الكويت عن العراق. وتوقع أيضاً أن تقوم القوات الأميركية بتجنب التحصينات العراقية, بالالتفاف عليها من الغرب ثم الاندفاع شرقاً في جنوب العراق. وأثبتت وقائع الحرب فيما بعد أن توقعاته كانت دقيقة.[65]

        وعبرت كريستين هيِلمز عن رأيها في أن أفضل حل هو تسوية يتم التوصل لها عن طريق التفاوض. وحذرت من الآثار التي يمكن أن تتركها هزيمة كبرى على كيان الدولة العراقية. لذلك, فإنها كانت ضد استخدام القوة, ومع استخدام العقوبات بدلاً من ذلك.[66] وأشار جيمس بلاك إلى أنه كانت هناك شواهد على تأثير العقوبات على الاقتصاد العراقي. لكنه حذَّر من أن الفوضى السياسية الخطيرة المتوقعة من جراء العقوبات الاقتصادية لن تحدث إلاّ إذا كان الاقتصاد العراقي على حافة الانهيار.[67]

          واقترحت فيبي مار أنه لو أُريد للعقوبات أن تنجح, فإنها بحاجة لوقت, ولكنها ينبغي أن تتزامن مع التهديد باستخدام القوة العسكرية. وأشارت إلى السياسة المزدوجة المعايير التي تتبعها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط, والتي تمثلت في عدم اعتراضها الفعلي على الإحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية, والذي استمر لعقود من الزمن, بينما اندفعت لإنهاء الغزو العراقي للكويت بالقوة, خلال أشهر قليلة. وتابعت قائلة أن الفقراء من العرب قد شعروا بالمرارة عندما رأوا الولايات المتحدة تساند الأقطار الخليجية الغنية, التي تمارس التمييز ضدهم. وحذرت بأن مساندة النظم الخليجية لن يكون بدون ثمن. فربما يضر بقضية الديمقراطية, ويزيد من المشاعر المعادية للولايات المتحدة في المنطقة. ثم أنهت شهادتها بالتحذير من أن حرباً مدمرة ستجعل الشعب العراقي والكثير من العرب أكثر عداء للولايات المتحدة. واقترحت اللجوء إلى الضغط الدولي والدبلوماسية بدلاً من ذلك. وإذا ما فشل ذلك كله, اقترحت استخدام القوة الجوية لتقليل الخسائر في الطرفين.[68] 

          أما وليام أودوم, فكان يفضل إعطاء العقوبات وقتاً لتحقق الهدف, وعدم الاندفاع نحو استخدام القوة. لكنه دافع عن إبقاء خيار الهجوم لفترة طويلة من الزمن.[69] وقال غاري مِلهولِن إن إمكانية حدوث تهديد عراقي ذري لا تستدعي استعمال القوة, لأن العراق لا يمكنه أن يصنّع المواد اللازمة للسلاح الذري نظرا للحظر المفروض عليه.[70] واتهم ليونارد سبكتر إدارة بوش بالمبالغة في ذكرها للخطر الذري العراقي. وكان رأيه أن احتمال حصول العراق على سلاح نووي لا ينبغي أن يدفع الولايات المتحدة باتجاه الحرب. وبدلاً من ذلك, فإنه كان مع استخدام العقوبات وإبقاء الخيار العسكري كاحتياط.[71] أما الفريق كولن باول, فقد ذكر بأن انتظار العقوبات حتى تحقق الهدف هو قرار سياسي, وليس عسكري. لكنه أكد للَّجنة بأن القوات الأميركية المسلحة يمكنها أن تنتظر 18 شهراً, إذا ما تلقت أوامر بذلك.[72]

        أما الذين أيدوا الحرب وكانوا ضد استعمال العقوبات في شهاداتهم فكانوا ثلاثة من الشهود, بالإضافة إلى وزير الدفاع. فقد أيد هنري كيسنجر استعمال القوة لتدمير القدرة العسكرية العراقية أولاً, ثم استعمال العقوبات لإضعاف العراق اقتصادياً بعد ذلك (وهو ما حدث بالفعل).[73]

          وأشار ريتشارد بيرل إلى ثلاثة مصالح أميركية مهددة بالخطر, هي النفط, والنظام العالمي, ودور أميركا في عالم ما بعد الحرب الباردة. وكان ضد اللجوء إلى استعمال العقوبات الاقتصادية لأنها يمكن ألاّ تؤدي إلى الانسحاب العراقي أو إلى تدمير القوة العسكرية العراقية. كما أنه وافق مع لَتواك على توقعاته بشأن الشكل الذي ستأخذه الحرب.[74] وكان وليام غرام مؤيداً لاستخدام القوة بهدف تدمير القدرات الذرية العراقية, في وقت قصير.[75] ودعا وزير الدفاع (دِك شيني) للحرب, لأن العقوبات الاقتصادية يمكن ألاّ تحقق الغرض, ولأن من الأفضل خوضها في ذلك الوقت عن خوضها بعد ذلك بخمس أو عشر سنوات.[76] (لمزيد من التفصيل عن أقوال هؤلاء الشهود, أنظر الملحق رقم 8.أ).

        وكان أنصار إدارة بوش في الكونغرس نشيطون أيضاً. ففي 14 ديسمبر/كانون أول, كوَّن ستيف سولارز لجنة لمساندة استخدام القوة. وضمت اللجنة آن لويس (التي كانت مديرة سابقة للَّجنة الديمقراطية القومية), والعديد من المسئولين السابقين في إدارة ريغَن من أمثال ريتشارد بيرل, وفرانك كارلوشي, وجين كيركباتريك, وأعضاء في الكونغرس مثل جون مكين, ودِك لوغار, وجاك مورثا, وبوب تورشيلي.[77]

        وكان الهدف الرئيس للجنة سولارز تلك التقليل من الضرر الذي لحق بسياسة إدارة بوش نتيجة لجلسات الاستماع التي ترأسها سام نن في مجلس الشيوخ. وبالرغم من ذلك, استمر نن في معارضته لاستخدام القوة, ومنادياً باستخدام العقوبات بدلاً من ذلك. وفي 2 يناير/كانون ثاني 1991, قال في هذا الصدد: "سأكون راغباً في استخدام القوة عندما يتم استكشاف كل الأقنية الأخرى. فقد تم إنقاص الدخل القومي العراقي إلى النصف. وأعتقد أنه مع كل شهر يمر, يصبح صدام أكثر ضعفاً. فهناك تآكل في الاقتصاد, وفي القدرات العسكرية." واتفق معه في ذلك لي هاملتون, الذي أضاف بأن العراق قد أصبح "بلداً يعيش تحت ضغط كبير. فالعقوبات تعمل, وينبغي علينا أن نحاول كافة الاحتمالات (السلمية) الأخرى."[78] 

        وقد دفع سام نن ثمناً غالياً لمعارضته استخدام القوة لحل الأزمة, وتمثل ذلك في خروجه من الحياة السياسية الأميركية. ففي عام 1992, لم يدخل الانتخابات الرئاسية, كما أنه لم يسعَ إلى تجديد انتخابه لمجلس الشيوخ في عام 1996. فقد جاءت نتائج الحرب على غير ما توقع, حيث أنه كان قد حذَّر من احتمال وقوع خسائر كبيرة في الأرواح تتراوح ما بين 25,000 و 40,000 من القتلى في صفوف الجنود الأميركيين. وعلى الرغم من أنه حصل على هذه التقديرات من مصادر المخابرات العسكرية, إلاّ إنه شعر بأن خبرته قد نالها الضرر, وأن منافسيه يمكن أن يستخدموا ذلك ضده في المستقبل. والحقيقة أن تلك التقديرات كانت مبنية على احتمال قيام العراق باستخدام الأسلحة الكيميائية والجرثومية. لذلك, كان سام نن ومعه معظم الديمقراطيين في الكونغرس مع استخدام العقوبات وضد استخدام القوة, تجنباً لتلك الخسائر المحتملة في الأرواح.[79]  

          وعلى العموم, فإن سام نن, ومعه معظم الديمقراطيين, وبعض الجمهوريين الذين عارضوا استخدام القوة, قد أثبتوا أنهم يتمتعون بالحكمة والشجاعة. فعلى الرغم من أن قوات التحالف قد تمكنت من إخراج القوات العراقية من الكويت (وهو أحد أهداف الحرب), إلا أن الحرب كانت مدمرة بالنسبة للبنية التحتية, والاقتصاد, والشعب العراقي. وقد حذَّر سام نن وزملاؤه من الدمار غير الضروري الذي ستسببه الحرب, وكان تحذيرهم في محله, وسيتم تذكرهم في المستقبل لموقفهم ذاك. كما أن التاريخ قد سجل أن الديمقراطيين الذين خرجوا على خط حزبهم وأيدوا الحرب قد تمت مكافأتهم من قبل التكتل الصناعي~العسكري. وتم تصعيد اثنين منهم إلى خوض المعركة الرئاسية عن الحزب الديمقراطي في عام 2000, وهما أل غور وجوزف ليبرمان. وحظي الآخرون بمكاسب أقل, مثل لِس أسبن الذي أصبح وزيراً للدفاع في إدارة كلنتُن الأولى. وإجمالاً, فقد تمكن هؤلاء من جر الحزب الديمقراطي ليصبح أكثر قرباً من مواقف الحزب الجمهوري, من أي وقت مضى.

 

الدبلوماسية البيكرية

 

        في يوم 29 نوفمبر/تشرين ثاني 1990, صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 678, الذي أجاز استخدام القوة. وكان ذلك نتيجة لاستخدام إدارة بوش وسائل مختلفة مع الدول الأعضاء في المجلس, كان من بينها "المداهنة, والانتزاع, والتهديد, وشراء الأصوات." وقد وصف وزير الخارجية (جيمس بيكر) هذه الوسائل بأنها "دبلوماسية السياسة",[80] والأصح أنها ينبغي أن تسمى الدبلوماسية البيكرية. وقد استخدم بيكر هذه الوسائل أولاً لتمويل التحالف من الحكومات الخليجية, خاصة السعودية والكويت. فخلال الزيارة التي قام بها متجولاً للحصول على ذلك التمويل, يوم 7 سبتمبر/أيلول 1990, طلب من الملك فهد ومن أمير الكويت[81] أن يدفع كل منهما 17 بليون دولار تغطية لنفقات الحرب.[82] وقد وافق كلاهما في الحال, وهما يعرفان أنهما سيدفعان أكثر من ذلك بكثير في المستقبل.[83] وكان ذلك ضرورياً حتى يفي بيكر بوعوده التي قطعها للدول التي شاركت في التحالف, تشجيعاً لها للدخول.

        فعندما وافق الملك فهد على استقبال القوات الأميركية في بلاده, في 6 أغسطس/آب 1990, طلب من الرئيس بوش ضمان مشاركة قوات من الأقطار العربية الأخرى, خاصة مصر والمغرب. فقد وقفت مصر من قبل, في عام 1961, مع استقلال الكويت وعدم تمكين العراق من استعادتها. وتم تأمين المشاركة المصرية في التحالف منذ 10 أغسطس/آب, ومباشرة عقب اجتماع الجامعة العربية. وفي المقابل, اتصل الرئيس بوش هاتفياً مع الرئيس مبارك في الأول من سبتمبر/أيلول ليخبره بأنه سيوصي الكونغرس بإعفاء مصر من ديونها للولايات المتحدة, والتي بلغت 7.1 بليون دولار. وبالفعل, أصدر الكونغرس قرار مسامحة ديون مصر في الأُسبوع الأول من نوفمبر/تشرين ثاني 1990.[84]

          بعد ذلك, طلب الرئيس مبارك ومعه جميع القادة العرب المشتركين في التحالف من الرئيس بوش مقابلة الرئيس السوري حافظ الأسد, في طريق عودته من منطقة الخليج بعد قضاء عيد الشكر مع القوات الأميركية هناك, وذلك بهدف إقناعه للانضمام للتحالف ضد العراق. وقد تم ترتيب اجتماع لهما في جنيف, في 23 نوفمبر/تشرين ثاني 1990, وافق الرئيس الأسد خلاله على إرسال قوات سورية إلى السعودية. وفي ذلك الاجتماع, ألقى الرئيس الأسد على بوش محاضرة عن أسباب جميع مشكلات الشرق الأوسط. فذكر له بأن إسرائيل وراء انفراط عقد التضامن العربي. فقد فعلت ذلك أولاً عندما أرغمت مصر على توقيع اتفاق سلام ثنائي, ثم عندما تدخلت لإطالة أمد الحرب العراقية~الإيرانية, وأخيراً عندما أسهمت في التوترات التي أدت لغزو الكويت.[85] وفي مقابل المشاركة السورية في التحالف, تم إعفاء سوريا أيضاً من ديونها الخارجية.[86] كما تمت مكافأتها بعد الحرب برفع اسمها من قائمة الدول التي تحتضن "الإرهاب" (وهذا الوصف تطلقه إسرائيل وتابعتها الولايات المتحدة على الأقطار العربية التي تدعم كفاح الشعب العربي الفلسطيني). وفوق ذلك, فإن سوريا قد حصلت على حوالي 3 بليون دولار من الحكومات الخليجية.[87]    

          وقد لعبت تركيا دوراً رئيساً في تقوية التحالف ضد العراق من خلال قيامها بإجرائين هامين. فأولاً, وضعت قواعدها العسكرية, خاصة قاعدة إنسيرليك الجوية, تحت تصرف قوات التحالف. وثانياً, أوقفت تصدير النفط العراقي الذي كان يمر عبر الأنابيب في الأراضي التركية وصولاً إلى البحر المتوسط. وفي المقابل, وعدت الولايات المتحدة بمنح تركيا بليون دولار, وبمساندة الطلب التركي للانضمام إلى السوق الأوروبية المشتركة, وبزيادة قروض المصرف الدولي لتركيا في العامين التاليين من 400 مليون دولار إلى 1.5 بليون دولار. وتنفيذاً لذلك, قدم الوزير بيكر إلى السعودية فاتورة, طلب بموجبها منها أن تدفع لتركيا 800 مليون دولار على شكل مساعدات اقتصادية, وبليون دولار لصندوق الدفاع التركي الخاص, وذلك خلال الخمسة أعوام التالية. كما طلب من الكويت أن تدفع لتركيا 800 مليون دولار أخرى كمساعدات اقتصادية, تعويضاً لها عما فقدته من عائدات من جراء توقف صادرات النفط العراقية المارة في أراضيها. وقامت الحكومتان بدفع تلك المبالغ لتركيا.[88]

          أما ألمانيا, فتم إقناعها بالمشاركة في التحالف من خلال إعطائها وعداً بإعادة توحيدها. فدفع الألمان بليوني دولار  لمساندة القوات الأميركية, وزادوا من مساعداتهم العسكرية والاقتصادية لتركيا, وأحضروا سفنهم لتنقل القوات المصرية إلى السعودية. وفي المقابل, قادت الولايات المتحدة الدول الحليفة الثلاث الأخرى التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية (بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي) في مراسم أجريت في موسكو, في 13 سبتمبر/أيلول 1991, أنهت خلالها احتلال الحلفاء العسكري لألمانيا, الأمر الذي جعل إعادة توحيدها ممكناً.[89]

        وحتى الاتحاد السوفيتي, تم شراء مشاركته هو الآخر في الجهود الرامية لتدمير مقدرات العراق, وكانت تلك علامة على قرب انهياره. وعلى الرغم من أن السوفيت استمروا في الإتيان بمبادرات سلام جديدة, إلاّ إنهم لم يكونوا يمانعون في التخلي عن تلك المبادرات بمجرد أن يبدي الأميركيون رفضهم لها. والحقيقة أنهم ساعدوا إدارة بوش في خديعة الرأي العام العالمي بأن حلاً سلمياً يمكن أن يحدث أخيراً. وفي مقابل تعاونهم مع الإدارة الأميركية, خاصة عدم إصرارهم على المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط (الذي يستجيب لفكرة "الربط"), فإن الوزير بيكر وعد غورباتشيف أن تحصل حكومته على مساعدات اقتصادية. ولم ينتظر "غوربي" (كما كان يسمية بوش وبيكر تدليلاً) طويلاً, وفي 12 سبتمبر/أيلول 1990, طلب أن تدفع السعودية لبلاده 5 بليون دولار لتسهيل فترة الانتقال الصعبة التي كانت تمر بها. ورد السعوديون بكرم وصل إلى 4 بليون دولار, أقنع غوربي نهائياً بألاّ يصر على متابعة مبادراته السلمية.

        وعندما حان وقت التصويت على القرار رقم 678 في مجلس الأمن الدولي, في 29 نوفمبر/تشرين ثاني 1990 (والذي أجاز استخدام القوة ضد العراق), استعمل الوزير بيكر كل الوسائل الضرورية للحصول على أغلبية الأصوات في المجلس. فاستعمل المداهنة مع بعض الدول, والانتزاع من دول أخرى, والتهديد لفئة ثالثة, وشراء الأصوات من فئة رابعة من الدول. وقد اعترف بيكر في مذكراته أنه لو قاومت الدول الأعضاء في مجلس الأمن ضغوطه عليها, فإنه كان مستعداً لقبول تنازلين رئيسين. أولاً, كانت الولايات المتحدة مستعدة لسحب جزء من قواتها الموجودة في السعودية إذا انسحبت القوات العراقية من الكويت. ثانياً, كانت مستعدة لقبول بحث النزاع الحدودي بين العراق والكويت أمام محكمة العدل الدولية في الهيغ. لكن العالم كان بعضه جاهزاً للبيع, وبعضه الأخر لا يقوى على المقاومة. فالغالبية العظمى من زعماء الدول التي كانت أعضاء في مجلس الأمن لم تكن لديهم الشجاعة ولا الرغبة في مقاومة الدبلوماسية البيكرية. وكان الاستثناء يتمثل في كوبا واليمن. فلم تظهرا خوفاً, ولم تكونا جاهزتين للبيع, على الرغم من كونهما من أفقر (ولكن أشرف) دول العالم.[90]

          وكانت الصين هي أصعب الدول في مساومة بيكر, خاصة على عدم استخدامها لحق الاعتراض (الفيتو) الذي تتمتع به في مجلس الأمن الدولي. فقد طلب وزير خارجيتها (كيان كيشِن) أن يقوم الرئيس بوش أو الوزير بيكر بزيارة إلى بيجين (بكين), في مقابل امتناع الصين عن التصويت. وفي 18 نوفمبر/تشرين ثاني 1990, نزل في مطلبه إلى مجرد لقاء مع الرئيس بوش. فساومه بيكر على أنه سيُمنح شرف ذلك الاجتماع في مقابل التصويت مع القرار, وليس الامتناع عن التصويت. وفي نهاية المطاف, حصل كيان كيشن على مطلبه في مقابل عدم تعطيله للجهد الأميركي. فقد كان من المهم جداً بالنسبة للزعماء الصينيين أن يظهروا بأنهم كانوا مقبولين من الإدارة الأميركية, التي كانت تنتقدهم على الطريقة التي عالجوا بها مظاهرات الطلاب في ميدان تيانَنمن.[91]     

          أما وزير خارجية زائير, فكان أقل صعوبة في المساومة من وزير الخارجية الصيني. فقد طلب أن تستعيد بلاده المساعدات الخارجية التي كانت تتلقاها من الولايات المتحدة, في مقابل تصويته لصالح القرار. وطلب وزير خارجية  ساحل العاج أن تقوم الدول الصناعية السبعة الأكثر نمواً في العالم بإعفاء بلاده من ديونها الخارجية, في مقابل تصويته مع القرار. وكان الصوت الروماني هو أرخص الأصوات في المجلس. فقد تم شراؤه بثمانين مليون دولار فقط, تدفع لرومانيا كمساعدات إنسانية. وتم ذلك خلال اجتماع قصير بين بيكر ووزير الخارجية الروماني في باريس.[92]        

          وبالنسبة لماليزيا, فإنها لم تكن بحاجة للمساعدات الأميركية لكونها دولة مصدرة للنفط. لذلك فإن بيكر لم يتمكن من شراء صوتها, لكنه حصل عليه (مع ذلك) بالتهديد. وقد بدأ وزير الخارجية الماليزي الاجتماع, الذي عقد بينه وبين بيكر في 8 نوفمبر/تشرين ثاني 1990, بتذكير نظيره الأميركي بأن إسرائيل لم تنسحب من الأراضي العربية التي تحتلها منذ عقود. ولم يعبأ بيكر بإيحاءات الوزير الماليزي بأن الولايات المتحدة تتبع سياسة مزدوجة المعايير في علاقاتها الدولية. وهدد نظيره الماليزي بأن التصويت ضد القرار "سيؤثر على العلاقات بين البلدين." وعندما سمع الوزير الماليزي ذلك, خيم عليه "صمت الموتى" ووافق على التصويت مع القرار.[93]

          ووقف اليمن موقفاً مشرِّفاً سجل له في التاريخ. فلم يعرض صوته للبيع, ولم تخفه التهديدات. فقد اجتمع جيمس بيكر مع الرئيس علي عبد الله صالح في 21 نوفمبر/تشرين ثاني 1990. ووعده بأنه إذا ما صوت اليمن مع القرار, فإن السعودية ستوقف ترحيل ما يقرب من مليون يمني من العاملين والمقيمين فيها منذ وقت طويل. ولما لم يفلح في إقناعه بتلك الطريقة, هدده بأن بلاده ستوضع في قائمة الدول "الإرهابية" (أي التي تساند الكفاح ضد الصهيونية), وأنها ستفقد المساعدات الخارجية الأميركية التي تقدم لها سنوياً, والتي تبلغ 70 مليون دولار. وبالرغم من ذلك كله, كان رده أن اليمن سيصوت ضد القرار.[94]

          وكان الموقف المشرِّف الثاني من كوبا, التي صوتت ضد القرار على الرغم من تهديدات بيكر لوزير خارجيتها, مالميركا. فقد اجتمعا معاً (بناء على طلب بيكر) يوم 28 نوفمبر/تشرين ثاني 1990, أي قبل يوم واحد فقط من التصويت. وهدده بيكر بأن كوبا ستصبح معزولة إذا ما صوتت ضد القرار. ورد عليه مالميركا متحدياً بأن بلاده ستصوت ضد القرار حتى ولو كانت هي الدولة الوحيدة التي تفعل ذلك.[95]

          وهكذا, فإن التصويت على القرار رقم 678, في 29 نوفمبر/تشرين ثاني 1990, والذي أجاز استخدام القوة ضد العراق, لم يكن يعبر عن الإرادة الحرة للدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي. وعلى العكس من ذلك, فإنه كان يعبر عن كيفية استخدام الدبلوماسية البيكرية في التحكم بالنظام العالمي والسيطرة عليه.

 

الخلاصة

 

لقد اختارت إدارة بوش الحرب كوسيلة لحل الأزمة منذ البداية. لذلك, فإنها رفضت مبادرات السلام جميعاً, الواحدة تلو الأخرى. وكانت حجتها في تبرير ذلك الرفض أن المبادرات كانت تربط الانسحاب العراقي من الكويت بالصراع العربي~الإسرائيلي. وقد مثل ذلك الموقف سياسة مزدوجة المعايير في العلاقات الدولية. فمن ناحية, نظرت الإدارة الأميركية إلى الغزو العراقي للكويت على أنه غير مقبول وينبغي إنهاؤه بالقوة, وفي خلال أشهر قليلة. ومن ناحية أخرى, لم تحاول الضغط على إسرائيل لإنهاء احتلالها للأراضي العربية, والذي استمر لعقود. والحقيقة أن إدارة بوش قد أضاعت فرصة ذهبية. فلو أنها استجابت للمبادرات العراقية العديدة, ووعدت بمعالجة مشكلة الاحتلال الإسرائيلي, لانسحبت القوات العراقية من الكويت بدون سفك دماء أو تدمير. والأهم من ذلك, أن الولايات المتحدة لو فعلت ذلك, لأصبح يُنظر إليها على أنها وسيط نزيه للسلام, ليس في الشرق الأوسط فقط, وإنما في جميع أنحاء العالم أيضاً.

أما قرار الكونغرس بالتصريح لإدارة بوش باستخدام القوة, فكان يمثل حقيقة أن قرار الحرب كان بحاجة إلى تبرير مقنع. وكانت أصوات المؤيدين والمعارضين للقرار متقاربة جداً في مجلس الشيوخ, لدرجة أن الإدارة بذلت جهوداً مضنية لتأمين أصوات التأييد المطلوبة. فأعضاء المجلس, وخاصة الديمقراطيين منهم, لم يكونوا يرون أن الحرب ضرورية, خاصة أن العراق كان دائم الإعلان عن استعداده للانسحاب إذا ما وعدت الولايات المتحدة بعدم مهاجمته فيما بعد. وفوق ذلك, فإن العقوبات الاقتصادية لم تعط الفرصة الكافية لتحقق الغرض. وقد حاول الديمقراطيون تجنب الحرب بدون كلل, خاصة أنهم توقعوا خسائر كبيرة وغير ضرورية في أرواح العراقيين. كذلك, فإنهم تحسبوا لوقوع خسائر عالية في أرواح الجنود الأميركيين, إذا ما استُخدمت الأسلحة غير التقليدية في الحرب. وقد تبلورت المعارضة لاستخدام القوة من خلال جلسات الاستماع التي تحدث فيها العديد من الشهود, والتي نظمتها لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ, برئاسة سام نن.

وقد مثلت الطريقة التي تم التصويت بها في مجلس الأمن الدولي تصميم إدارة بوش على إصدار القرار 678 بأية وسيلة ممكنة, بما في ذلك رشوة بعض الدول الأعضاء وتهديد بعضها الآخر. وكانت النتيجة أن غالبية الدول الأعضاء في المجلس لم تقاوم الدبلوماسية البيكرية. فبعضها تسلم مبالغ من المال, أو تم إرضاؤها بطريقة أو بأخرى, في مقابل تصويتها لصالح القرار. وتعرضت ثلاثة منها للتهديد بمعاقبتها إن هي صوتت ضد القرار, لكن اثنتان منهما (كوبا واليمن) لم تذعنا للتهديد, وصوتتا ضد القرار, وبذلك أثبتتا أنه لا زال هناك أمل في البشرية. 

        وبرفضها لجميع مبادرات السلام, واستخدامها لجميع الوسائل للحصول على موافقة مجلس الأمن على استخدام القوة ضد العراق, فإن إدارة بوش قد أثبتت أن هدفها الرئيس لم يكن إنهاء الغزو العراقي للكويت, وإنما كانت الحرب هدفاً بحد ذاتها, كما يوضح الفصل التاسع.

 

 

ملحق 8

جلسات استماع لجنة القوات المسلحة

بمجلس الشيوخ الأميركي عن السياسة الأميركية في منطقة الخليج العربي

1990

 

        افتتح رئيس اللجنة, سام نن, جلسات الاستماع في 11 سبتمبر 1990, داعياً إلى الوضوح بشأن أهداف الولايات المتحدة. وقد أيّد استمرار الوجود الأميركي في الخليج العربي لتمكين العقوبات من تحقيق الأهداف التي فرضت من أجلها (الصفحتان 2 و 3). وكان وزير الدفاع, دِك شيني, أول المتحدثين أمام اللجنة. فأشار إلى أن الانتشار العسكري الأميركي في الخليج يهدف إلى حماية مصالح الطاقة الأميركية في المنطقة. وذكر أن ذلك الانتشار يهدف, بشكل خاص, إلى حرمان العراق من السيطرة على 20 بالمائة من احتياطيات النفط العالمية. وتلخصت وجهة نظره في أنه لو نجح العراق بضم الكويت, فإنه سيتمكن من إملاء سياسة الطاقة العالمية في المستقبل, من خلال سيطرته القوية على المنطقة. وذكر أن انتشار القوات الأميركية في الخليج له ثمانية أهداف أخرى, بالإضافة إلى حماية مصالح الطاقة الأميركية. ولخص تلك الأهداف في منع التقدم العراقي نحو الأقطار الخليجية الأخرى, والدفاع عن السعودية إذا حاول العراق مهاجمتها, وتطبيق العقوبات الاقتصادية, والانسحاب العراقي من الكويت, واستعادة الكويت بحدودها الأصلية, واستعادة الحكومة الكويتية, وحماية أرواح الأميركيين في المنطقة, واستعادة الاستقرار لمنطقة الخليج (الصفحات 8-23). وكان الفريق كولن باول, رئيس هيئة الأركان المشتركة, هو الثاني الذي تحدث أمام اللجنة. وكان حديثة عن تفاصيل عملية الانتشار ميدانياً (الصفحتان 23-33).

        وفي 27 نوفمبر/تشرين ثاني 1990, استمعت اللجنة إلى شهادة الدكتور جيمس شليزنغر (الصفحات 107-182).[96] وافتتح سام نن الجلسة مشيراً إلى أن القوات الأميركية قد أكملت مهمتها "الدفاعية" الأصلية, التي أعلنها الرئيس بوش في 8 أغسطس/آب 1990. وأضاف بأنه قد تم إيقاف القوات العراقية على الحدود الكويتية~السعودية, وأن الحظر الذي أقرته الأمم المتحدة قد طبق بنجاح. ثم طرح عدة أسئلة على الدكتور شليزنغر ليجيب عليها. فسأله عما إذا كان إرغام العراق على الانسحاب من الكويت باستعمال القوة العسكرية هو مصلحة حيوية أميركية. وسأله أيضاً عن المدة اللازمة التي تتطلبها العقوبات الاقتصادية لتحقق الانسحاب العراقي بدون حرب. كما أراد أن يعرف منه ما إذا كان الرئيس بوش قد غير من أهداف سياسته عندما أمر بإرسال تعزيزات جديدة للقوات الأميركية في المنطقة. وأخيراً, فإنه أراد من شلشزنغر أن يعلق على توازن القوى في الشرق الأوسط في المستقبل, إذا ما تم تدمير القدرات العسكرية العراقية خلال الحرب.

        وبدأ الدكتور شليزنغر شهادته بالإشارة إلى ثلاث مصالح أميركية رئيسة في منطقة الخليج العربي, لخصها في النفط, والدفاع عن السعودية, وأمن إسرائيل. وأوضح بأن الولايات المتحدة "لا تستطيع أن تسمح بوقوع قسم كبير من مصادر الطاقة في العالم تحت سيطرة طرف واحد معادٍ (لأميركا)." وبالنسبة للعقوبات الاقتصادية, توقع لها أن تحقق الغرض منها خلال عام. وأضاف قائلاً: "يبدو من غير المنطقي أن نعبر عن عدم صبرنا عليها (العقوبات), لأنها لم تقدم النتائج المرجوة خلال ستة أشهر." وكان رأيه أن من الأفضل للولايات المتحدة أن تسعى لتحقيق الانسحاب العراقي بدون حرب. وحذر من حدوث عداوة للولايات المتحدة في المنطقة, تستمر لفترة طويلة من الزمن, خاصة إذا ما أصيب العراق بهزيمة مدمرة. ولن يكون ذلك من قبل العراقيين فقط, وإنما من قبل بقية العرب. لذلك, فإن البديل (العقوبات الاقتصادية) أفضل كثيراً للمستقبل. وقد أخبر العراقيون بريماكوف بأنهم مستعدون للانسحاب إذا ما وعدوا برفع العقوبات, وبعدم مهاجمتهم فيما بعد. وتدخل سام نن ليسأله عما إذا كان الانسحاب العراقي يشكل مصلحة أميركية حيوية. فأجاب شليزنغر بأنه لم يكن مصلحة حيوية في 2 أغسطس/آب. ولكنه أصبح كذلك عندما أعلن الرئيس بوش عن التزامه به, واضعاً هيبة الرئيس الأميركي على المحك. وأضاف بأنه ليس من الضروري تحقيق ذلك الانسحاب بالقوة العسكرية. فلا يوجد شيء حتى الآن يستدعي استخدام القوة, بما في ذلك الادعاءات حول الأسلحة النووية العراقية التي يحتاج إنتاجها عشر سنوات. وحتى لو تمكن العراق من ذلك, فستكون قنبلة واحدة غير مجربة.

        وأعطي الحديث لعضو مجلس الشيوخ تيد كينيدي, الذي أشار إلى أن الغرض الأساسي من جلسات الاستماع تلك كان الوصول إلى رأي حول ما إذا كانت البدائل السلمية قد أخفقت, الأمر الذي يمكن أن يبرر العمل العسكري. وكان رأيه أنه لم يكن هناك مبرر لاستخدام القوة نظراً لأن العقوبات الاقتصادية كانت تحرز تقدماً ملموسا. فمن شأن العقوبات أن تجبر العراق على دفع ثمن باهظ لبقائه في الكويت. فقد توقف دخل العراق من تصدير النفط, والذي كان يصل إلى حوالي 1.5 بليون دولار في الشهر. وتم تجميد الحسابات العراقية بالخارج, وأخذ الاقتصاد العراقي في التدهور بمعدل 5 بالمائة شهرياً. ثم قام كينيدي بتلخيص استنتاجات شليزنغر للتأكد منها, فقال بأن الولايات المتحدة "ينبغي أن تعطي العقوبات فرصة كافية لتحقق الغرض, وأن العقوبات يمكن أن تنجح في إجبار العراق للخروج من الكويت, وأن الرئيس قد تصرف بطريقة غير ناضجة عندما تحول إلى استراتيجية هجومية" (صفحة 138).   

          وبعد ذلك, تحدث شليزنغر عن أصحاب المصلحة الحقيقيين في الحرب. فقال إن الإسرائيليين يريدون التدمير الكامل للقوة العسكرية العراقية, لأن ذلك سيقلل من قدرة العرب على الحرب. وعلى ذلك, فإن الإسرائيليين هم المستفيدون الأساسيون من الحرب (صفحة 159). ثم انتقد الطريقة التي استخدمتها إدارة بوش في بناء التحالف, خاصة جمع التبرعات. فذكر أنه "لم يكن يحب أن يرى وزيري الخارجية والخزانة يطوفان العالم وهما  يخرخشان علبة الصفيح, طلباً للتبرعات.[97] فلم يكن ذلك موقفاً فيه وقار للولايات المتحدة" (صفحة 160).

        أما عضو اللجنة, ديكسون, فقد أشار إلى المأزق الذي وضعت إدارة بوش نفسها فيه, نتيجة طلبها العلني من العراق الانسحاب من الكويت, بينما أصرت على تجنب المفاوضات معه لتحقيق ذلك الهدف. وتساءل عضو آخر من اللجنة (وارنر) عما إذا كانت التعزيزات الجديدة للقوات الأميركية, التي أعلن عنها الرئيس بوش في 8 نوفمبر/تشرين ثاني, ستزيد من فعالية العقوبات أم أنها ابتعاد عن تلك السياسة. وردد سام نن هذا السؤال عدة مرات أثناء جلسات الاستماع, بهدف إتاحة الفرصة أمام الشهود للإجابة عليه. 

        وفي 28 نوفمبر/تشرين ثاني, استمعت اللجنة للفريق ديفد جونز والفريق البحري وليام كرو (الصفحات 182-260).[98] فذكر الفريق جونز أن الدول الأعضاء في التحالف كانت تفضل, منذ البداية, اتخاذ الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية اللازمة, بدلاً من العمل العسكري, وعلى الأخص مهاجمة العراق نفسه. وأشار الفريق البحري كرو إلى أن معظم الخبراء كانوا يعتقدون بأن بإمكان العقوبات تحقيق الهدف إذا ما أعطيت الوقت الكافي, الذي يتراوح ما بين 12 إلى 18 شهرا. وأضاف قائلاً بأن السؤال لم يعد ما إذا كان بإمكان الحظر تحقيق الغرض, وإنما إذا كان لدينا الصبر حتى يتحقق ذلك. فمن الخطأ القول بأن العراق لم يتأثر (نتيجة للعقوبات والحظر). فمن المتوقع أن يصل مجموع ما يفقده من العملات الأجنبية حوالي 30 بليون دولار في العام. ونتيجة لذلك, حاول العراق جاهداً الخروج من المأزق, بالبحث عن طريقة غير مهينة للانسحاب.

        بعد ذلك, عبر كرو عن وجهة نظره القائلة بأنه يجب عدم استخدام القوة إلاّ إذا فشلت العقوبات في تحقيق أهدافها. وأوضح أن استخدام القوة لن يحل مشكلات الشرق الأوسط. والحقيقة أن ذلك سيؤدي إلى زيادة تعقيد تلك المشكلات, خاصة الصراع الفلسطيني~الإسرائيلي, واستقرار الأنظمة العربية, والنزاعات الحدودية, والعلاقات الأميركية~الإسرائيلية, وسيطرة شركات النفط على السياسة الخارجية الأميركية. وذكر أن الكثير من العرب سيشعرون بالغضب على حملة تسفر عن قتل أعداد كبيرة من العرب والمسلمين. واستمر بعد ذلك في شرح وجهة نظره في وجوب استخدام العقوبات وتجنب استخدام القوة. فقال إنه "لا يستطيع أن يفهم لماذا يعتبر البعض أن تحالفاتنا الدولية قوية ومتماسكة بدرجة كافية تؤهلها للاستمرار في حالة خوض الحرب, ولكنها ضعيفة جداً وعرضة للانهيار إذا ما حاولنا اللجوء لحل سلمي" (صفحة 197). وأضاف قائلاً بأن استخدام الضغط الاقتصادي يمكن أن يأخذ زمنا طويلا, لكنه يمكن أن يجنبنا خوض الحرب وما ينتج عنها من خسائر, وهذه غاية حميدة في حد ذاتها ويمكن اعتبارها مصلحة قومية أيضاً. ثم أنهى شهادته قائلاً إنه من المحزن أن نرى صدام حسين, الذي يحكم شعباً مؤلفاً من 17 مليون نسمة وبناتج قومي عام لا يزيد عن 40 بليون دولار, يثبت أنه أكثر صبراً من (رئيس) الولايات المتحدة, التي هي أغنى وأقوى دولة في العالم" (صفحة 197).

        وتناول سام نن الحديث, فأشار إلى مقابلة أجرتها صحيفة أطلنطا جيرنل مع الفريق شوارزكوف, ونشرتها في 28 أكتوبر/تشرين أول 1990. وفي تلك المقابلة, حث شوارزكوف (الزعماء السياسيين) التحلي بالصبر, وإعطاء العقوبات وقتاً كافياً لتحقق الغرض, لأن البديل (استخدام القوة) سيسفر عن هلاك عدد هائل من الناس. وقال: "يا إلهي, العقوبات لم تفرض إلاّ منذ شهرين فقط ... والآن بدأنا نرى شواهد على أنها مؤثرة. فلماذا نقول, حسناً, أعطيناها شهرين لكنها لم تفعل شيئا, هيا بنا ننهي الأمر ونقتل عدداً كبيراً من الناس؟ ذلك جنون. ذلك جنون. فلا يمكنك أن تذهب إلى هناك وتقول, حسناً, هيا بنا لنشن حربا لطيفة اليوم. والله العظيم, ربما تستمر الحرب لوقت طويل, وتتسبب في قتل عدد هائل من الناس. ولذلك, ينبغي علينا أن نكون صبورين" (صفحة 209).

        وقد وافق كرو على ما قاله شوارزكوف قائلاً بأنه حتى لو امتلك العراق أسلحة نووية, فإن ذلك لا يبرر مهاجمته. وذكر جونز أن القوات الأميركية في الخليج يمكنها أن تبقى في المنطقة لسنوات باستخدام نظام المناوبة. وأضاف بأن ذلك سيظهر قوة الموقف الأميركي, لأنه سيمكن القوات الأميركية من البقاء هناك لفرض العقوبات حتى تحقق الغرض منها. واقترح تقليص حجم القوات الأميركية لتسهيل استمرار وجودها في المنطقة (الصفحتان 216-217). وهنا, أثنى عضو اللجنة ديكسون على الشهود, خاصة على ما أوصوا به من التحلي بالصبر, وقال: "لا أحد يريد الحرب" (صفحة 227). ووافقه عضو اللجنة غلين على ذلك, قائلاً: "ربما تكون الحرب مجيدة من ناحية نظرية, لكنها بشعة في حقيقتها. إنني أوافق بقوة على ما أوصيتم به من استنفاذ الوسائل الأخرى, قبل أن نبدأ في تهيئة أنفسنا للهجوم" (صفحة 231).

        وتمسك كرو وجونز بوجهة نظرهما حتى عندما حاول مؤيدو الحرب من أعضاء مجلس الشيوخ ثنيهما عنها. فقد وجه عضو اللجنة مكين (وهو جمهوري مؤيد للحرب) سؤالاً إلى الفريق جونز عما إذا كانت القدرات النووية العراقية المحتملة تستدعي استخدام القوة أم لا. فأجابه جونز مؤكداً ما قاله الفريق البحري كرو من قبل, وقال: "ينبغي أن يكون السؤال: هل نقلص القوة العسكرية العراقية بالعمل العسكري, أي بالحرب وما يصحبها من خسائر في الأرواح, أم من خلال الصبر والعقوبات والحظر؟" (صفحة 234). ولخص عضو اللجنة أل غور (وهو من الديمقراطيين الذين أيدوا الحرب) وجهة نظر إدارة بوش الداعية للحرب. فقال: "يبدو أن الإدارة تشعر بأنه إذا ما انتظرنا لسنة أو 18 شهراً, فإن الأحداث غير المتوقعة والتوترات المتزايدة يمكن أن تسفر عن نتائج خطيرة تجعل من المستحيل على الحظر أن يحقق الغرض المتوقع منه" (صفحة 237). ثم طلب من كرو التعليق على وجهة نظر الإدارة كما ذكره. عند هذا الحد, شكر سام نن الشهود ولخص نتائج جلسات الاستماع قائلاً بأن اللجنة متحدة بوقوفها مع تنفيذ قرارات الأمم المتحدة القاضية بالانسحاب العراقي من الكويت. وليس هناك خلاف على ذلك بين الجمهوريين والديمقراطيين. واستطرد قائلاً: "والسؤال الآن هو: ما حجم الألم الذي نريد أن نوجع به العراق, وبأي سرعة, وهل نفعل ذلك بالحظر أم باستخدام القوة؟" (صفحة 257).

        وفي 28 نوفمبر/تشرين ثاني, اجتمعت اللجنة مرة أخرى بعد الظهر لتستمع إلى شهادة وزير الخارجية الأسبق, الدكتور هنري كيسنجر, الذي كان رأيه أن الأهداف التي أعلنتها إدارة بوش غير كافية (في عدوانيتها). وقال: "أي حل للأزمة ينبغي أن يتضمن تخفيضاً للقدرة الهجومية العراقية, التي تفوق الآن قدرة جيرانه" (صفحة 261). وكان ضد أي حلول دبلوماسية لأنها "ستضعف أهداف الأمم المتحدة, وفي نفس الوقت تُمكّن العراق من الاستمرار في السعي نحو تحقيق قدراته الحربية المحتملة, وبالتالي فإنها تؤكد مركز العراق كقوة عسكرية مسيطرة في الشرق الأوسط" (صفحة 265). ثم طرح كيسنجر بديله, الذي تضمن استخدام القوة أولاً بهدف تدمير القدرة العسكرية العراقية, ثم استخدام العقوبات الاقتصادية لإضعاف العراق فيما بعد. فقال: "إن تدمير المؤسسة العسكرية العراقية, خاصة المنشآت النووية والكيميائية, وكذلك القوات الجوية والصواريخ, من شأنه أن يحسِّن التوازن العسكري في الخليج ويعجّل في حدوث تأثير العقوبات" (صفحة 268). وقال إنه يريد أن تبدأ الحرب قبل شهر رمضان وموسم الحج الذي يليه, وأفضل وقت لذلك هو منتصف يناير/كانون ثاني 1991 (صفحة 275). وعندما طلب منه عضو اللجنة الديمقراطي تيد كينيدي أن يؤكد رأيه مرة أخرى لإثباته في سجل المجلس, والقائل بأن العقوبات لن تجدي, قبل كيسنجر التحدي وأكد ذلك. بعدها حذر كينيدي من أن الحرب ستتسبب في عدد هائل من الخسائر في أرواح العرب, ولم يعقِّب كيسنجر على تلك العبارة, لأن ذلك هو هدفه بالضبط, أي إحداث العداء الدموي بين الأميركيين والعرب, وذلك أكثر ضماناً لأمن إسرائيل, الذي يهمه في المقام الأول والأخير.

        وفي 29 نوفمبر/تشرين ثاني 1990, استمعت اللجنة إلى شهادات ثلاثة من الاستراتيجيين العسكريين, هم جيمس ويب (الذي كان وزيراً سابقاً للبحرية), وريتشارد بيرل (الذي كان مساعداً سابقاً لوزير الدفاع), وإدوارد لَتواك (الباحث في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية). وانتقد جيمس ويب في شهادته الرئيس بوش على استراتيجيته العسكرية. وقال: "لو أن الرئيس قد أرسل قوة جوية صغيرة إلى السعودية, ثم بدأ في التفاوض على الانسحاب المتبادل للقوات العراقية والأميركية, لكانت الأزمة قد انتهت الآن. فقد استخدمت بريطانيا هذه الاستراتيجية في عام 1961" (صفحة 309). واستمر ويب في انتقاداته قائلاً: "إن خطأ الرئيس بإرسال قوات كبيرة يجب ألاّ يضاعف بخطأ آخر, وذلك باستخدام تلك القوات في هجوم بري متعجل ومن غير استفزاز" (صفحة 310). وأهم من ذلك, أن الولايات المتحدة ليس لديها اتفاقيات (حماية) في المنطقة. كما أن الأقطار المعنية (التي سندافع عنها) غير ديمقراطية, ولم يقع أي هجوم على القوات الأميركية هناك. وختم شهادته بالدعوة إلى تخفيض حجم القوات الأميركية في منطقة الخليج العربي.

        وقد أشار الدكتور إدوارد لَتواك, في شهادته أيضاً, إلى أن الحكومات الخليجية غير شرعية وينقصها المشاركة الديمقراطية. ثم أشار إلى أن الصراعات الدولية هي جغرافية~اقتصادية وليست جغرافية~سياسية, في أهميتها. كما انتقد مقولة أن أمن إمدادات النفط من منطقة الخليج العربي هي مصلحة حيوية أميركية. وقال إن أميركا ليست أكثر الدول الصناعية احتياجاً لتلك الإمدادات. فهي تستورد 50 بالمائة مما تحتاج له من النفط, بينما تستورد اليابان 100 بالمائة مما تحتاجه. "لذلك, ربما يكون من الأنسب لنا أن تتعرض إمدادات نفط الخليج للتوقف كلية, وما ينتج عن ذلك من أسعار عالية جداً للنفط" (صفحة 316). وهكذا, كان لَتواك معارضاً قوياً للعجلة التي تبديها إدارة بوش للانتقال إلى خيار العمل العسكري. وبدلاً من ذلك, دعا إلى استخدام "استراتيجية فعالة تعتمد على العقوبات الاقتصادية الطويلة المدى, والتي تستغرق عدة سنوات" (صفحة 317). لذلك, فإنه دعا إلى تقليص حجم القوات الأميركية في المنطقة, وليس إلى زيادتها كما فعل الرئيس بوش. لكن أكثر أجزاء شهادة لَتواك أهمية تمثل في توقعاته الدقيقة للاستراتيجية العسكرية التي ستتبع في حالة اللجوء إلى الحرب. فقد توقع أن القوة الجوية ستستخدم أولاً لتدمير المنشآت العسكرية في العراق. كما أنها ستؤدي إلى "تجويع القوات العراقية لتخرج من الكويت, أو بالأحرى تركها تختار بين الموت جوعاً في أماكنها, أو التخلي عن مواقعها والاستسلام في الجنوب, أو الانسحاب باتجاه الشمال" (صفحة 320). ثم توقع أن تعقب الحملة الجوية عملية برّية تبدأ غرب الكويت ثم تتجه شرقاً لتعزل القوات العراقية في الكويت (صفحة 318).

        أما ريتشارد بيرل, فقد بدأ شهادته بالإشارة إلى أن أزمة الخليج تشكل أمراً في غاية الأهمية بالنسبة لأميركا. وليس ذلك مرده إلى النفط والنظام العالمي فقط, وإنما لأنها "تشمل الأمر الأهم المتمثل في دور أميركا في عالم ما بعد الحرب الباردة" (صفحة 327). ثم بدأ بيرل يعبر عن رأيه المؤيد للحرب, قائلاً: "لا يمكن أن يكون هناك حل سياسي لهذه الأزمة", لا حفظ لماء الوجه, ولا تفاوض على حل وسط يسمح للعراق بالاحتفاظ بقوته العسكرية (صفحة 329). ثم انتقد الاعتماد على العقوبات لأنها يمكن ألاّ تؤدي إلى الانسحاب العراقي في مدة قصيرة. وأضاف قائلاً إنها حتى لو أدت إلى ذلك, فإن القوة العسكرية العراقية ستستمر في تهديد استقرار المنطقة (الصفحات 330-331).    كذلك فإنه توقع اتباع نفس الاستراتيجية العسكرية التي ذكرها لَتواك, إذا ما نشبت الحرب (صفحة 335). وهكذا, كان بيرل الشاهد الثاني الذي تحدث أمام اللجنة, بعد هنري كيسنجر, معارضاً للعقوبات وداعياً للحرب.

        وفي 29 نوفمبر/تشرين ثاني 1990, استمعت اللجنة إلى شهادات ثلاثة من الخبراء بشئون الشرق الأوسط, هم الدكتورة كريستين هيِِلمز, والدكتور جيمس بلاك, والدكتورة فيبي مار.[99] وكان رأي كريستين هِلمز أن الحل الأمثل يكمن في تسوية يتم الوصول إليها بالتفاوض. وقد بنت رأيها على حقيقة أن "القوات التي تقودها أميركا يمكنها أن تحرز نصراً عسكرياً, لكن إدارة بوش يمكن أن تصاب بهزيمة سياسية قاسية. فالقوة التي ستستخدم لتحقيق أهداف بوش تشكل خطراً على وحدة وهيبة الدولة العراقية. والمشكلات الاقتصادية, والسياسية, والعسكرية التي ستعقب ذلك يمكن أن تصبح عسيرة, ومكلفة, وتمتد إلى أبعد من الكويت والعراق" (صفحة 381). وبناء على ذلك, فإنها كانت ضد استخدام القوة ومع استخدام العقوبات (صفحة 382).

        وأشار جيمس بلاك إلى أنه لم تحدث حالة من قبل أثبتت فيها العقوبات الدولية أنها فعالة تماماً. ومع ذلك, فهناك شواهد على أنها تحدث تأثيراً على الاقتصاد العراقي. لكنه حذر من التفاؤل إزاء نجاح العقوبات في إحداث زعزعة سياسية داخلية, لأن ذلك لن يحدث إلاّ إذا أصبح الاقتصاد العراقي حقاً "على حافة الانهيار" (الصفحات 402-404).

        وتعرضت فيبي مار لمناقشة تأثير أزمة الخليج على أربع مسائل رئيسة, هي الصراع العربي~الإسرائيلي, وتزايد حجم الهوة الاجتماعية~الاقتصادية بين العرب, وشرعية واستقرار الأنظمة الخليجية, وتزايد قوة القوى الإسلامية والقومية العربية. وبالنسبة للمسألة الأولى, أشارت إلى وجود "إدراك واسع النطاق في العالم (الوطن) العربي للنفاق الأميركي الذي اتضح بإدانة الغزو العراقي للكويت, مع قبول الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة ... فالربط بين الصراع العربي~الإسرائيلي وأزمة الخليج موجود في عقول معظم العرب, على الرغم من محاولات الولايات المتحدة فصل المسألتين" (صفحة 411).

        وبالنسبة للمسألة الثانية, أشارت فيبي مار إلى أن الأزمة قد عمقت من التفاوت الاجتماعي~الاقتصادي بين أقطار الخليج الغنية والأقطار العربية الفقيرة. وهذا يفسر لماذا لم يكن هناك إلاّ القليل من التعاطف العربي مع الكويتيين في محنتهم. وزادت مرارة (أغلبية) العرب عندما رأوا الولايات المتحدة تساند أقطار الخليج الغنية, وتسعى لإعادة العائلة المالكة للكويت (الصفحتان 411-412).

        وبالنسبة للمسألة الثالثة, ذكرت بأن الوجود البعيد المدى للقوات الأميركية في منطقة الخليج العربي سيسهم في استقرار النظم الخليجية الملكية, والتي تعبر عن مصالح عدد قليل جداً من السكان. لكن الطبقات الوسطى لن تقبل ذلك الوجود بدون ثمن, ألا وهو المطالبة بالمشاركة الديمقراطية. وبالنسبة للمسألة الأخيرة, فإن الوجود الأميركي قد أدى لتقوية الحركات الإسلامية في الوطن العربي, والتي انصهر العديد منها مع القوميين العرب في اتخاذ خط مناهض لأميركا, التي ينظر لوجودها في المنطقة على أنه وجود استعماري. وقد فسرت تنامي شعبية الحركات الإسلامية بتبنيها لقضايا الجماهير العربية. فهي "تعارض استمرار الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة, وهي تدعو إلى توزيع أفضل للثروة والخدمات في الوطن العربي, وهي تعارض فساد وظلم الأنظمة الحاكمة, وفوق كل ذلك, فهي ضد ما تراه من فرض للسيطرة الأجنبية, خاصة على موارد النفط العربية" (صفحة 413).

        وختمت فيبي مار شهادتها بالتحذير من حل الصراع عن طريق حرب طويلة شرسة تدمر القوة العسكرية والبنى التحتية العراقية. وقالت إنها ستتسبب في جعل الشعب العراقي والكثير من العرب أعداء للولايات المتحدة. واقترحت اللجوء إلى الضغط الدولي والدبلوماسية, بدلاً من ذلك. وإذا ما فشل ذلك كله, اقترحت استخدام القوة الجوية لتقليل الخسائر في الطرفين (صفحة 414).

        ثم أجاب الشهود الثلاثة على أسئلة أعضاء اللجنة. فسألهم ديكسون عما إذا كانوا يعتقدون بأن العقوبات ستنجح أم لا. فأجاب جيمس بلاك بأن الحظر يمكن أن ينجح في إنجاز الانسحاب العراقي من الكويت. ووافقت كريستين هِلمز على ذلك قائلة بأن العقوبات لديها فرصة للنجاح. واقترحت فيبي مار بأنه من أجل إنجاح العقوبات, ينبغي إعطاؤها الوقت الكافي, كما ينبغي أن تكون مصحوبة بالتهديد باستخدام القوة العسكرية.

        وعندما حاولت فيبي مار شرح السياسة المزدوجة المعايير التي تتبعها إدارة بوش, غضب أعضاء اللجنة الموالون لإسرائيل. فوصف أل غور الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية بأنه ليس إلا "إقامة لحاجز دفاعي" (صفحة 450). وكان وليام كوهين أكثر قوة في دفاعه عن الاحتلال الإسرائيلي, فحذر فيبي مار قائلا: "إنه من الخطأ الشديد السماح بإقامة أي نوع من التشبيه المعنوي بين مطالب صدام حسين بالكويت, وبين احتلال إسرائيل لمرتفعات الجولان والضفة الغربية وغزة" (صفحة 450). واستمر في تحذيره لها قائلاً: "وهكذا, فإنني لا أعتقد أنه ينبغي علينا التمسك بوجهة النظر هذه, سواء وجدت أم لم توجد في أذهان العرب" (صفحة 451). كذلك فإنه حذر الرئيس بوش من إعطاء أي وعود للعرب بأنه سيعالج مسألة الاحتلال الإسرائيلي بعد الانسحاب العراقي. فقال: "أعتقد أن ذلك سيكون خطأ شديداً " (صفحة 451). ونتيجة لتحذيراته, سحبت فيبي مار اقتراحاتها, ووافقت معه, قائلة: "أنا لا أعني أننا ينبغي أن نقيم نوعاً من التشبيه المعنوي مع إسرائيل" (صفحة 452).

        ثم سأل سام نن المتحدثين عما إذا كانوا يعتقدون بأنه ينبغي تخفيض الوجود العسكري الأميركي في السعودية عما كان عليه في ذلك الوقت. فوافقت فيبي مار معه مباشرة وبوضوح. أما جيمس بلاك, فكانت موافقته غير مباشرة. فقال إن التعزيزات الأميركية ستؤثر على موسم الحج, نظراً لأن معظم الحجاج يأتون عن طريق مطار جده, الذي تستعمله قوات التحالف (صفحة 453). ودعت كريستين هِلمز إلى التفاوض مع العراق, الأمر الذي سيؤدي إلى الانسحاب العراقي وتخفيض الوجود الأميركي في المنطقة (صفحة 454).

        وفي 30 نوفمبر/تشرين ثاني 1990, اجتمعت اللجنة للاستماع لشهادة الفريق وليام أودوم,[100] الذي كان يفضل إعطاء العقوبات وقتاً كافياً لتحقق الغرض منها, كما كان ضد العجلة في استخدام القوة (صفحة 461). ومع ذلك, فإنه دعا إلى إبقاء خيار الهجوم قائماً لفترة طويلة من الزمن (صفحة 466). ثم استمعت اللجنة إلى غاري مِلهولِن, ووليام غرام, وليونارد سبكتر.[101] وسألهم سام نن عن الاحتمالات المتوقعة فيما يتعلق بجهود العراق للحصول على سلاح نووي. فأجاب مِلهولِن بأنه ليس بإمكان العراق أن يصنع المواد اللازمة للسلاح النووي بنفسه (صفحة 520). وعبر غرام عن رأيه بأن العراق ربما يحاول الحصول على أسلحة نووية في وقت قصير. لذلك, فإنه كان يؤيد استخدام القوة لتدمير المنشآت الذرية العراقية (الصفحتان 536-537). أما سبكتر, فإنه انتقد إدارة بوش لتضخيمها خطر حصول العراق على سلاح نووي. وقال بأن محاولات العراق بهذا الصدد لا ينبغي أن تدفع الولايات المتحدة نحو الحرب. وبدلاً من ذلك, فإنه كان يفضل خيار العقوبات مع الاحتفاظ بالخيار العسكري كاحتياط (الصفحتان 544-545).

        وفي 3 ديسمبر/كانون أول 1990, اجتمعت اللجنة للمرة الأخيرة للاستماع لشهادتي وزير الدفاع (ريتشارد شيني), ورئيس هيئة الأركان المشتركة (الفريق كولن باول). وبدأ رئيس اللجنة (سام نن) الحديث, فطلب منهما الإجابة على عدد من الأسئلة. فقد أراد منهما التعليق على ما يشكله وجود قوة أميركية كبيرة الحجم من ضغوط على الأداء الجيد للسّوقيات (نقل الجنود وإيوائهم وتموينهم), وعلى القدرة والرغبة في انتهاج سياسة متأنية. كذلك فإن سام نن قد عبر عن مساندته العامة للرئيس بوش في دفاعه عن السعودية, وفي فرض الحظر الذي قررته الأمم المتحدة على العراق. كما عبر عن مساندته لسياسة الرئيس بوش القاضية بانسحاب العراق من الكويت. لكنه سأل الشاهدين عما إذا كان من الضرورة والحكمة, في ذلك الوقت, استخدام القوة لتحقيق الانسحاب العراقي, أم أن من الأفضل ترك الحظر الدولي يأخذ الوقت الذي يحتاجه لتحقيق الهدف؟ (الصفحتان 636-637).

        بدأ الوزير شيني شهادته بإعطاء خلفية تاريخية عن الالتزام الأميركي بالدفاع عن السعودية و"دول" الخليج العربي. فذكر أن ذلك الالتزام يعود إلى عام 1945, خلال اجتماع الرئيس روزفلت مع الملك عبد العزيز. وقد أعاد كل الرؤساء الأميركيين, بعد ذلك, التأكيد على المصلحة الاستراتيجية الأميركية في ذلك الجزء الحيوي من العالم. وقد أصبح ذلك الالتزام سياسة رسمية أميركية من خلال مبدأ كارتر, الذي تم إعلانه في الخطاب الذي ألقاه الرئيس كارتر عن حالة الاتحاد في 23 يناير/كانون ثاني 1980. ويقرر ذلك المبدأ "أن أية محاولة من أية قوة خارجية للسيطرة على الخليج, سوف تعتبر هجوماً على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأميركية, وأنه سيتم ردها بأية وسيلة ضرورية, بما في ذلك القوة العسكرية" (الصفحتان 641-642).

ثم شرح الوزير شيني أسباب تفضيله استخدام القوة على انتظار العقوبات حتى تحقق الهدف. فذكر بأنه لا ينبغي أن يُسمح للعراق بالسيطرة على إمدادات الطاقة العالمية. لأن ذلك سيؤدي إلى تحكمه بالإنتاج والأسعار. والأهم من ذلك حصوله على ثروة هائلة نتيجة لأسعار النفط العالية المتوقعة, والتي سيستخدمها في الحصول على الأسلحة التي ستهدد بقية العالم (صفحة 644)!!!

أما بالنسبة لتأثير العقوبات, فذكر شيني بأن الولايات المتحدة قد تمكنت من وقف قدرة العراق على تصدير النفط, ووقف دخول الكثير من البضائع إلى العراق من الخارج. كما كان الحظر ناجحاً في وقف معظم تجارة العراق الخارجية. ومع ذلك, فإن الهدف النهائي للعقوبات إخراج العراق من الكويت, وليس فقط تدمير الاقتصاد العراقي. وعلى ذلك, فلا يمكن للولايات المتحدة أن تنتظر إلى ما لا نهاية حتى تحقق العقوبات ذلك الهدف (الصفحتان 646-647). ثم طرح الوزير شيني السؤال التالي: "هل بإمكاننا الوصول إلى استنتاج بأن العقوبات ستحقق النتيجة المتوخاة, وذلك بإجباره (المقصود هنا الرئيس صدام حسين, وكأنه هو بمفرده الموجود بالكويت) على الخروج من الكويت؟" ولم يكن قادراً على الإجابة على هذا السؤال بشكل قاطع. فبدأ إجابته قائلاً: "أنا لا أعلم." ثم أضاف: "ربما تستطيع (أي العقوبات, أن تفعل ذلك). لكن هناك شواهد عديدة أيضاً بأنها لن تستطيع" (صفحة 649). ثم اختتم شهادته برأي واضح, قال فيه: "من الأفضل لنا أن نتعامل معه الآن, والتحالف في حالة تماسك, والأمم المتحدة من ورائنا, عن أن نتعامل معه بعد خمسة أو عشرة أعوام" (صفحة 650).

وتحدث الفريق باول عن هدف التعزيزات العسكرية. فقال إنه ابتداء من 8 نوفمبر/تشرين ثاني 1990, تغيرت مهمتنا من الدفاع عن السعودية إلى إخراج الجيش العراقي من الكويت. لكن المهمة لا تتضمن العقاب أو الرد الانتقامي. ثم بدأ في شرح الاستراتيجية العسكرية التي ستتبع في الحرب. فقال بأن القادة العسكريين قد "أوصوا الرئيس, الذي وافق على ذلك, ببناء قوة قادرة على إنجاز المهمة, وعلى أخذ زمام المبادرة, وإجبار العراقيين على التفكير في نتائج حملة ضخمة موجهة ضدهم من الجو والبر والبحر." وأضاف بأن تلك الاستراتيجية العسكرية ستركز على أقل الخسائر المحتملة في الأرواح, على الجانب الأميركي, من خلال تجنب التحصينات العراقية (صفحة 663).

وبالنسبة للعقوبات, ذكر الفريق باول بأنها بدأت تحدث تأثيراً جدياً. "ولكن, لا أحد يعرف متى ستحقق الغرض منها, كما أشار الوزير. وسوف نعرف أنها حققت ما نريد عندما يخبرنا صدام حسين بذلك, عن طريق انسحابه" (صفحة 664). وختم شهادته بالقول بأنه "في التحليل النهائي, فإن طول مدة الانتظار قرار سياسي, لا عسكري. فالقوات المسلحة للولايات المتحدة ينبغي أن تكون مستعدة, وسوف تكون, لتنجز أية مهمة توكل إليها, سواء كانت فترة الانتظار أربعة أو خمسة أو ستة أو إثنى عشر أو ثمانية عشر شهراً.[102]     

 

ملاحظات ومصادر

 



[1] Bush and Scowcroft (1998).

[2]  Baker (1995).

[3]  U.S. Senate (1990).

[4]  Cockburn (1991).

[5]  Whitaker (1991).

 

[6]    في عام 1967,  قامت إسرائيل باحتلال شبه جزيرة سيناء المصرية (التي استعادتها مصر في عام 1982), ومرتفعات الجولان السورية, والمنطقتين الفلسطينيتين: قطاع غزة (الذي كان تحت الإدارة المصرية) والضفة الغربية (التي كانت جزءا من الأردن). وفي عامي 1978 و 1982, احتلت أجزاء مختلفة من جنوب لبنان (والتي حررتها المقاومة اللبنانية في عام 2000).

 

[7]   على الرغم من الفروق الظاهرة بين حزبي العمل والليكود في التعامل مع العرب, إلاّ إنهما في الحقيقة يمثلان منهجين مختلفين لتحقيق نفس الأهداف. وتتمثل تلك الأهداف القريبة في تقوية إسرائيل وإضعاف الأقطار العربية, وإخراجها من الصراع واحدة تلو الأخرى, وزيادة الهجرة اليهودية, وصولاً إلى الهدف الأسمى, وهو إقامة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات.

          فحزب الليكود يبدو أكثر عنفاً وتطرفاً لأنه يعمل على تقوية إسرائيل وإضعاف العرب باستخدام القوة, وبدون اللجوء إلى خطاب سياسي سلمي. أما حزب العمل, فإنه ينظِّر ويستخدم خطاباً سياسياً سلمياً. ولكنه لا يختلف كثيراً عن الليكود في استخدام القوة والعدوان على الأمة العربية. فهو الذي شن حربي 1956 و 1967. كما شارك في الحكومات الإئتلافية (مع الليكود) التي كسَّرت عظام المتظاهرين الفلسطينيين في الانتفاضة الأولى (1987-1993), واستخدمت الطائرات والصواريخ والسفن الحربية والدبابات لقصف المدن الفلسطينية في الانتفاضة الثانية (2000-2002). كما أنه مسئول عن سرقة ومصادرة الأراضي الفلسطينية, وبناء المستوطنات عليها, مثل الليكود, إن لم يكن أكثر. وأخيراً, فإنه مسئول عن مجازر وفظائع واغتيالات ارتكبت بحق الأمة العربية, مثل مجزرة قانا وعملية "عناقيد الغضب" في جنوب لبنان.

 

[8] Perry (1994: 297-299). 

[9] Peres (1993: 56-57).

[10] WINEP (1988).

 

[11]   الجدير بالذكر هنا أن مقولة "التحكم العراقي بأوبك وبأسعار النفط" قد ثبت خطؤها خلال جميع السنوات التي تلت حرب عام 1991. فالعراق لم يسيطر على أوبك وعلى أسعار النفط, ومع ذلك وصلت تلك الأسعار إلى أكثر من ثلاثين دولاراً للبرميل في عام 2000.

 

[12] Bush and Scowcroft (1998: 323).

[13]   الترجمة الحرفية لكلمات سكوكروفت في وصف العراق, هي أنه "العدو المكروه أكثر من قبل الإسرائيليين."

     (Bush and Scowcroft, 1998: 347).   

[14]  Bush and Scowcroft (1998: 362).

[15]   الحقيقة أن ذلك الموقف كان شجاعاً, فربما كان جيمس بيكر هو الوحيد من بين كبار المسئولين الأميركيين الذي انتقد سياسات التوسع الإسرائيلي علناً, وخاصة داخل حصنها الحصين في أميركا "إيباك."

[16]  Baker (1995: 121).

[17]  Baker (1995: 122).

[18]  Baker (1995: 127).

[19]  Baker (1995: 124).

[20]  Baker (1995: 131).

[21]  Baker (1995: 126).

[22]   لقد تم تعيين مارتن إنديك سفيراً للولايات المتحدة لدى إسرائيل, في عام 1999, بناء على طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك (صحيفة الواشنطن بوست, 17 يوليو/تموز 2001). وهذا دليل آخر على الهيمنة الصهيونية على الحكومة الأميركية.

 [23]   قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر/كانون ثاني 1990 بإلغاء قرارها رقم 3379 الصادر في عام 1975 الذي ساوى الصهيونية بالعنصرية Pimlott and Badsey (1992: 278). حدث ذلك في نفس الوقت الذي لا تزال إسرائيل تمارس فيه التفرقة العنصرية ضد العرب الفلسطينيين في كافة نواحي الحياة, وعلى الأخص إنكار حق اللاجئين منهم بالعودة إلى وطنهم بينما يتم تشجع اليهود بالهجرة إلى فلسطين المحتلة بدون قيود.

[24] Baker (1995: 540-541).

[25] Bush and Scowcroft (1998: 365).

[26] Bush and Scowcroft (1998: 367).

[27] Baker (1995: 292-293).

[28] Bush and Scowcroft (1998: 368-369).

[29] Baker (1995: 303).

[30] Bush and Scowcroft (1998: 377).

[31]   عندما ذكر الرئيس بوش الحادثة في مذكراته, فإنه استخدم التعبير الإسرائيلي "جبل الهيكل" بدلاً من "المسجد الأقصى." فحتى من باب الحياد العلمي, كان ينبغي عليه استخدام الإسم العربي~الإسلامي للمكان, أو إيراده إلى جانب التعبير الإسرائيلي على الأقل.

  Bush and Scowcroft (1998: 378).  

 

[32] Bush and Scowcroft (1998: 378).

[33] Bush and Scowcroft (1998: 409).

[34] Baker (1995: 347-348).

 

[35]   كان الرئيس بوش, ووزير خارجيته بيكر, ومساعدوهما, يستعملون اصطلاح "المستعربين" للسخرية من الدبلوماسيين المتعاطفين مع العرب, في الخارجية السوفيتية في هذه الحالة.

 

[36]   أود لفت نظر القارئ إلى أن كلمة "مستعرب" لها استخدامات عدة, مرَّ واحد منها في الفصل الرابع, العرب المستعربة. وهنا يشير المعنى إلى المتعاطفين مع العرب من المتخصصين في الثقافة العربية من غير العرب. وفي الحالتين, فإن الكلمة تشير إلى صفة حميدة أو محايدة. ومع ذلك, ظهر للكلمة استعمال ثالث أثناء الانتفاضة الثانية (2000-2002). وهي تشير في هذه الحالة إلى مجموعة من عملاء المخابرات الإسرائيلية الذين يتسللون إلى التجمعات الفلسطينية بهدف تنفيذ الاغتيالات والتخريب. وهكذا, فإنها تشير إلى صفة خبيثة أيضاً.

 

[37] Bush and Scowcroft (1998: 423-424).

[38] Bush and Scowcroft (1998: 440).

[39] Bush and Scowcroft (1998: 448).

[40] Bush and Scowcroft (1998: 419-420).

[41] Bush and Scowcroft (1998: 424).

[42] Bush and Scowcroft (1998: 437).

[43] Bush and Scowcroft (1998: 437).

[44] Bush and Scowcroft (1998: 441-443).

[45] Baker (1995: 356-361).

[46] Baker (1995: 331).

[47] Bush and Scowcroft (1998: 389).

[48] Bush and Scowcroft (1998: 391).

[49] Bush and Scowcroft (1998: 396).

[50] Bush and Scowcroft (1998: 429).

[51] Bush and Scowcroft (1998: 413).

[52] Bush and Scowcroft (1998: 440-441).

[53] Bush and Scowcroft (1998: 443, 446).

[54] Bush and Scowcroft (1998: 446).

[55] Bush and Scowcroft (1998: 446).

 

[56]   ولد سام أغسطس نن في مدينة بيري بولاية جورجيا, في عام 1938. وتخرج من مدرسة الحقوق بجامعة إموري, في عام 1962. ثم خدم في مجلس نواب ولاية جورجيا بين عامي 1968 و 1972. وفي ذلك العام, تم انتخابه عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي, وبقي هناك حتى عام 1996, عندما لم يسعَ إلى تجديد انتخابه. ومنذ ذلك الحين, عاد لممارسة مهنة القانون في مدينة أطلنطا, عاصمة ولاية جورجيا.

 

    (Biographical information, U.S. Senate Website).

 

[57] Nunn (1983).

[58] Nunn (1990).

[59]   توقع سام نن أنه في خلال فترة خمس سنوات, سيصل التوفير الناتج عن تخفيض الإنفاق العسكري إلى حوالي 225-255 بليون دولار من الميزانية الأصلية, وحوالي 180-190 بليون دولار من الإضافات اللاحقة لها.

 

    (Nunn, 1990: 82).

 

[60] Nunn (1990).

 

[61]   شغل الدكتور جيمس شليزنغر في السابق عدة مناصب في الحكومة الأميركية. فكان وزيراً للدفاع, ووزيراً للطاقة, ومديراً لوكالة المخابرات الأميركية.                 

   (U.S. Senate, 1990: 110, 107-182).

 

[62]   كان الفريق شوارزكوف حتى ذلك الحين قائداً للقيادة المركزية, الموكلة بالعمل في منطقة الخليج العربي.

   (U.S. Senate, 1990: 209).

 

[63]   احتل كلاهما منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة. وشغل الفريق جونز ذلك المنصب من أكتوبر/تشرين أول 1985 إلى سبتمبر/أيلول 1989. وشغل الفريق البحري كرو منصب قائد قوة الشرق الأوسط, وهي قاعدة لقيادة القوات الأميركية في البحرين, من يونيو/حزيران 1976 إلى يوليو/تموز 1977.

  (U.S. Senate, 1990: 180, 182-260). 

[64]   شغل جيمس ويب سابقاً منصب وزير البحرية, ومساعد وزير الدفاع لشئون قوات الاحتياط في إدارة ريغَن, كما كان من القادة العسكريين الذين كُرِّموا لخدمتهم في فيتنام, وهو مؤلف أيضاً.

 

  (U.S. Senate, 1990: 304, 305-315).

 

 [65]   كان الدكتور إدوارد لَتواك أحد العاملين بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن.

  (U.S. Senate, 1990: 304, 315-331).

 

[66]   الدكتورة كريستين هيلمز مستشارة مستقلة في الشئون الدولية, والاقتصادية, والسياسية, والاجتماعية, المتعلقة بالشرق الأوسط. وقد نشرت العديد من الكتب والمقالات في هذا الخصوص. كما سافرت إلى العراق في الثمانينات, والتقت بالعديد من كبار المسئولين العراقيين.

 

  (U.S. Senate, 1990: 379, 381-401).

 

[67]   كان جيمس بلاك مستشاراً للشئون الدولية في شركة خاصة بواشنطن. وهو دبلوماسي متقاعد عمل في العراق, والكويت, وليبيا. كذلك, فإنه شغل عدة مناصب حكومية لها علاقة بالسياسة الأميركية في الشرق الأوسط, بما في ذلك عمله كمساعد لنائب وزير الخارجية لشئون جنوب آسيا والشرق الأدنى.

  (U.S. Senate, 1990: 380, 401-410).

 

[68]   الدكتوره فيبي مار مؤرخة متخصصة في العراق والشرق الأوسط. وقد درست المنطقة لسنوات, وكتبت الكثير عنها, وسافرت إليها وتنقلت بها كثيراً أيضاً. وقد زارت العراق ثلاث مرات بين عامي 1987 و 1990, وتقابلت مع كبار المسئولين والمواطنين العراقيين.

 

  (U.S. Senate, 1990: 380, 410-457).

 

[69]   كان وليام أودوم فريقاً متقاعداً من الجيش الأميركي. وكان أثناء خدمته يشغل منصب مدير وكالة الأمن القومي. كما عمل رئيساً لاستخبارات الجيش. وبعد تقاعده, شغل منصب مدير دراسات الأمن القومي في معهد هدسُن.

 

    (U.S. Senate, 1990: 459, 460-485).

 

[70]   غاري مِلهولِن أستاذ للقانون في جامعة ويسكونسِن, ومدير مشروع ويسكونسِن للحد من الأسلحة الذرية, الذي يراقب تطورات انتشار الأسلحة الذرية.

  (U.S. Senate, 1990: 517, 519-534).

 

[71]   كان ليونارد سبكتر مديراً لمشروع عدم انتشار الأسلحة النووية في مؤسسة كارنيغي للسلام العالمي, كما اشترك في تأليف كتاب عن البرنامج الذري العراقي, تحت عنوان "طموحات ذرية."

 

  (U.S. Senate, 1990: 517, 544-556).

 

[72]   كان الفريق كولن باول يشغل منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة, خلال الأزمة والحرب في عامي 1990-1991.

 

  (U.S. Senate, 1990: 659-680).

 

[73]   شغل الدكتور هنري كيسنجر منصب وزير الخارجية في إدارتي نيكسون وفورد.

  (U.S. Senate, 1990: 260-303).

 

[74]   كان ريتشارد بيرل زميلاً مقيماً في معهد الانتربرايز (المغامرة التجارية) الأميركي, وكان في السابق مساعداً لوزير الدفاع لسياسة الأمن الدولي, خلال إدارة ريغَن.

  (U.S. Senate, 1990: 304, 326-334).

 

[75]   كان الدكتور وليام غرام نائباً لرئيس هيئة "جيكور", كما شغل سابقاً منصب المستشار العلمي للرئيسين ريغَن وبوش. كما أنه كان نائب مدير وكالة ناسا لأبحاث الفضاء, ورئيساً للجنة المستشارين العامة لشئون الحد من التسلح في إدارة ريغَن.

 

  (U.S. Senate, 1990: 518, 534-544).

 

[76]   شغل ريتشارد (دِك) شيني منصب وزير الدفاع في إدارة بوش الأب, ثم أصبح نائباً للرئيس بوش الإبن.

  (U.S. Senate, 1990: 638-658). 

 

[77] Bush and Scowcroft (1998: 426).

[78] Bush and Scowcroft (1998: 439).

[79] Grimes and Barry (1997).

[80] Baker (1995: 305).

[81]   من المدهش أن وزير الخارجية بيكر لم يذكر أمير الكويت وولي عهده بالإسم في كتابه كله, على الرغم من أن الحرب قد شنت (إدعاء) لإعادتهما إلى حكم الكويت.  

[82] Baker (1995: 287-290).

 

[83]   اشترت السعودية ما قيمته حوالي 23 بليون دولار من الأسلحة الأميركية بعد الحرب (Levrani, 1997: 109), بالإضافة إلى مشتريات إضافية من بريطانيا وفرنسا والدول الأخرى المصدرة للأسلحة.

 

[84] Bush and Scowcroft (1998: 460-474);

   Baker (1995: 291).

[85] Bush and Scowcroft (1998: 409-412).

[86] Frontline (1998).

[87] Levrani (1997: 108).

[88] Baker (1995: 284, 372).

[89] Baker (1995: 299).

[90] Baker (1995: 305).

[91] Baker (1995: 309, 323).

[92] Baker (1995: 315-316).

[93] Baker (1995: 319). 

[94] Baker (1995: 317-318

[95] Baker (1995: 320-321).

[96] U.S. Senate (1990: 110).

 

[97]   كان من عادة المتسولين في الغرب أن يمدوا علبة صفيح للمارة ليضعوا فيها بعض النقود لهم. ولفتاً لنظر الناس ودعوتهم لإلقاء بعض النقود, يقوم المتسول بتحريك علبة الصفيح يميناً ويساراً فيحدث صوت الخرخشة نتيجة ارتطام قطع النقود مع بعضها ومع الصفيح المصنوعة منه العلبة.

 

[98] U.S. Senate (1990: 180).   

[99]  U.S. Senate (1990: 379-380).   

[100]  U.S. Senate (1990: 459).   

[101]  U.S. Senate (1990: 517-518).   

[102]  U.S. Senate (1990: 665).